صلاح منتصر .. 64 عامًا فى الأهرام



أذكر أن صلاح منتصر فى اجتماع لمحررى الأهرام قال: هل تذكرون عبارة عادل إمام «أنا أقدم واحد فى العمارة» التى قالها فى فيلم «عمارة يعقوبيان» أنا أيضا أقدم واحد فى الأهرام، وكانت هذه هى الحقيقة فى ذلك الوقت لأنه بدأ فى الأهرام فى عام 1958 وظل مرتبطا به حتى خرجت جنازته من الأهرام بعد 64 عاما يوم 16 مايو 2022.
وبعد شهرين فقط من تعيينه صار مسئولا عن قسم التحقيقات الصحفية، وكان هيكل يعتبر الكفاءة معيار الاختيار وليس السن أو الأقدمية وقد تميز بتحقيقاته الإنسانية ثم بدأ بكتابة تحقيقات سياسية واجتماعية من الدنمارك والنرويج والسويد ومن سوريا بعد الوحدة مع مصر. ولم نعرف أنه وقع فريسة للسهر وممارسة القمار وأدى ذلك إلى هبوط مستواه المهني، وعاقبه هيكل بأن اختار صلاح جلال مكانه.
وكتب صلاح منتصر مقالين فى عموده مجرد رأى تحت عنوان «السقوط والضياع» و«الخروج من المستنقع» قال فيهما «هكذا ضيعت ثلاث سنوات من عمرى فى خطيئة لا تغتفر».
وقال إن هيكل مع ذلك لم يفقد ثقته فيه وراح يعامله معاملة الأب الذى يقسو على ابنه، وحدثت المعجزة بأن أحب زميلته نادية توفيق وتزوجها وكانت طوق النجاة، فأسقط فترة السقوط من حياته وصار زوجا مثاليا وعادت تحقيقاته المميزة وانتقل إلى الدسك المركزى ومنحه هيكل عام 1963 أول وأكبر مكافأة 100 جنيه، وأرسله إلى الصين ليكتب عن الثورة الثقافية وزعيمها ماوتسى تونج وبعدها أرسله إلى كوريا الشمالية ليكتب «كوريا الشمالية بين فكر الصراع العقائدى وأخطاء الحرب القادمة من الجنوب»، وبعدها رتب له هيكل زيارة لندن للتدريب فى جريدة «أوبزيرفر» وفى لندن التقى بالمارشال مونتجمرى قائد انتصار الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية، وبعدها بدأ اهتمامه بموضوع البترول فتخصص فيه وتوثقت علاقته مع وزير البترول المهندس أحمد هلال، وأعد أرشيفا خاصا وكون لنفسه مكتبة عن قضايا البترول ويقول إنه اكتشف أن موضوع البترول يشمل التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والسياسة والقانون والتكنولوجيا ويقول أعطيت موضوع البترول كل اهتماماتى وتفرغت له وكتبت بابا ثابتا كل يوم سبت عنوانه «عالم من البترول» وأصبح صلاح منتصر محرر أول كاتب متخصص فى البترول فى الصحافة المصرية بل أصبح من الخبراء فى موضوع البترول وأصدر عام 1975 كتابا بعنوان «حرب البترول الأولي».
من المحطات المهمة فى حياة صلاح منتصر مرافقته رئيس الوزراء عزيز صدقى فى زيارته لاستعادة العلاقات مع الاتحاد السوفيتى بعد قرار الرئيس السادات طرد الخبراء السوفيت وإعلان السادات أن السوفيت أهملوا حماس مصر فى إعداد القوات المسلحة لاسترداد الأرض المحتلة، وبعد تكرار الزيارات أوفى السوفيت بتعهداتهم مع الدكتور عزيز صدقى ويكشف صلاح منتصر من أسرار حرب أكتوبر أن السوفيت أرادوا الرد على الإهانة التى تلقوها بطرد خبرائهم بأن امتنعوا عن توريد الوقود اللازم لصواريخ (سام 6) و(سام 3) المضادة للطائرات وبدونه تصبح الصواريخ قطع حديد باردة وكان معنى ذلك أن تحرم مصر من تشغيل الصورايخ لصد غارات إسرائيل، لكن العالم المصرى محمود سعادة فى المركز القومى للبحوث نجح فى إنتاج هذا الوقود بالتعاون مع خبراء مركز البحوث وخبراء الجيش وبذلك أمكن تدمير طائرات العدو خلال حرب أكتوبر.
بدأ صلاح منتصر كتابة مقال أسبوعى بعنوان «مجرد سياسة» ابتداء من 6 نوفمبر 1977 تحدث فيه عن قضية السلام والدفاع عن زيارة الرئيس السادات القدس والرد على حملات النقد والتشكيك فى جدوى هذه الزيارة، ولكنه كتب بعد ذلك ينتقد التصلب الإسرائيلى فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية، أما عموده الشهير «مجرد رأي» فقد بدأ فى 24 يوليو 1987، وكان أول مقال عن تعرض منتخب مصر لكرة القدم للضرب فى الجزائر. وقبل ذلك كان يكتب لمدة عامين ثلاثة أو أربعة أسطر بعنوان «مجرد نصيحة» تشبه ما كان يكتبه العبقرى أحمد رجب فى جريدة الأخبار بعنوان «نصف كلمة» وخصص هذه السطور للنقد الاجتماعى والسياسى وبقدم نصيحة للمواطن أو للمسئول.
تاريخ طويل نستكمله إن شاء الله ونشكر السيدة منى الطويل التى سجلت كل تفاصيل حياة صلاح منتصر الشخصية والمهنية فى كتابها الجامع الشامل «سنوات مع صلاح منتصر».




