إسرائيل اليوم: المقاومة الفلسطينية ..صمود عسكري ومفاوض صلب يمسك بزمام المبادرة السياسية

كلما طال أمد الحرب على غزة؛ ازداد ارتباك الاحتلال وتعددت أوراقه المحروقة. واليوم لم يعد الحديث عن احتلال كامل القطاع مجرد خيار عسكري، بل ورقة أخيرة في يد حكومة نتنياهو التي فقدت القدرة على فرض معادلاتها. لكن حتى هذا الخيار، يكشف في نظر خبراء إسرائيليين عن مغامرة خطيرة محفوفة بالفشل.

وفي هذا الإطار؛ نشرت صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية مقالا للعميد احتياط تسفيكا حايموفيتش، القائد السابق لمنظومة الدفاع الجوي، أقر فيه بأن السيطرة على مدينة غزة وحدها تعني الدخول في حرب لم يسبق للاحتلال أن خاض مثلها، “فمساحة غزة مكتظة تقارب حجم تل أبيب، يسكنها نحو مليون إنسان، وتقوم على شبكة أنفاق معقدة، تجعل أي تقدم بري محفوفاً بالمفاجآت والخسائر”.

التحليل الأهم في كلام حايموفيتش أن المقاومة الفلسطينية لم تكتف بالصمود العسكري، بل باتت مفاوضاً صلباً يمسك بزمام المبادرة السياسية. فبينما كان الاحتلال يراهن على الحصار والتجويع لإضعافها، جاءت النتائج عكسية.

يقول القائد العسكري السابق في مقالته: “إعلان فرنسا سعيها للاعتراف بدولة فلسطينية فضلا عن تزايد الضغط الدولي على إسرائيل، جعلا من حماس أكثر تصلبا وتمسكا بمواقفها وشروطها، كما وأن فتح الممرات أمام دخول المساعدات الإنسانية الأممية عقب حملة التجويع الممنهجة في قطاع غزة، ووقف إطلاق النار لأغراض إنسانية لمدة 10 ساعات في اليوم، كل هذا جرى دون أن تضطر حماس لإعطاء أي شيء بالمقابل”.

وحين يتساءل العميد الإسرائيلي: “متى كانت آخر مرة احتلت إسرائيل مدينة بحجم غزة؟”، ويجيب: لم يحدث قط.. فهذا اعتراف صريح بأن الاحتلال يغامر في أرض مجهولة، وأن مقارنته مع بيروت عام 1982 أو مع مناطق أصغر في غزة مثل رفح وبيت حانون ليست إلا تضليلاً للرأي العام، حيث إن الفارق الديمغرافي والعمراني يجعل السيطرة الكاملة على غزة أمراً شبه مستحيل، خصوصاً في ظل وجود مقاومة منظمة تعرف تضاريس المكان وتدير معركة أنفاق معقدة.

ويكشف المقال أيضاً أن حكومة نتنياهو تفتقر لرؤية استراتيجية واضحة؛ فهي تكرر محاولات فاشلة تحت مسميات جديدة مثل “عربات جدعون” أو “حرب القيامة”، من دون أن تغيّر من واقع الفشل الميداني والسياسي. وفي المقابل؛ تزداد الضغوط الدولية، وتتعزز مكانة المقاومة التي استطاعت تحويل تهديد الاحتلال إلى أداة تفاوضية تعزز موقفها في ملف الأسرى.

خلاصة الأمر، يواجه الاحتلال الإسرائيلي معضلة كبرى: إما أن يغامر بعملية برية شاملة في غزة سيدفع ثمنها غالياً دون ضمان تحقيق أهدافه، أو أن يكتفي بالتلويح بها كورقة ضغط سرعان ما ستُحرق. وفي الحالتين، تُثبت المقاومة أنها قادرة على إفشال رهانات الاحتلال وكسر معادلته، لتبقى غزة شاهداً على أن الصمود الاستراتيجي للشعوب أقوى من كل جيوش الإبادة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى