نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً أعدته لوفدي موريس وشيرا روبن وحازم بعلوشة قالوا فيه إن عودة مقاتلي “حماس” إلى شمال غزة يجعل نهاية الحرب الإسرائيلية بعيدة المدى.
وقالوا إن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين باتوا يقدمون تقييمات صريحة حول مرونة “حماس”. وقالوا إن إسرائيل أعلنت الانتصار في مخيم جباليا بكانون الأول/ديسمبر، وقالت إنها كسرت سيطرة الحركة على معقلها التقليدي في القطاع. وقال قائد الفرقة الـ 162 في الجيش الإسرائيلي الجنرال ايتزيك كوهين: “جباليا لم تعد كما كانت”، و”قتل مئات الإرهابيين”، واعتقل 500 من المشتبه بهم.
وبعد خمسة أشهر، عادت القوات الإسرائيلية إلى جباليا، وتقوم القوات البرية بالتقدم في المخيم المكتظ بالسكان، مستخدمة الدبابات ومدعومة بالغارات الجوية، وفي سلسلة مما يطلق عليها العسكريون الإسرائيليون “عملية إعادة تنظيف” ضد حركة “حماس”، التي قام مقاتلوها بإعادة تجميع أنفسهم بسرعة في المناطق التي خرج منها الإسرائيليون.
جنرال إسرائيلي: الإنجازات العسكرية الأولى “تبخرت” بسبب غياب الخطة السياسية.. لو كنتَ تمارس العمل العسكري فقط بدون حل دبلوماسي، فأنت في مستنقع
وتعلق الصحيفة بأن العملية العسكرية المتقدمة سريعاً تحولت إلى حرب استنزاف طاحنة، بشكل يظلل بعدها عن تحقيق هدفها العسكري الرئيسي، وهو التفكيك الكامل لحركة “حماس”. وكشفت المنظمة المتشددة، التي تعتمد على كم كبير من المقاتلين الجاهزين للمشاركة، وشبكة أنفاق واسعة ومتماهية بالنسيج الاجتماعي، أنها قادرة على الصمود أمام هجوم عسكري ساحق. وتتزامن عودة الجيش الإسرائيلي إلى الشمال مع الحملة العسكرية ضد رفح بجنوب غزة التي فرّ إليها أكثر من مليون فلسطيني، وهي المعركة التي قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها “المعركة الأخيرة” والتي سيتحقق فيها “النصر الكامل” ضد “حماس”. ولكن المسؤولين الأمريكيين وبعضاً من أعضاء حكومة الحرب التي يترأسها نتنياهو يقدمون تقييمات مختلفة وصارخة حول مرونة الحركة وفشل رئيس الوزراء التحضير لما بعد الحرب في غزة.
وفي يوم الأربعاء، طالب وزير الدفاع يوآف غالانت نتنياهو تقديم التزام بأن إسرائيل لن تدير القطاع بعد الحرب، وسط مخاوف من قادة الجيش أنهم يديرون عملية زاحفة تنتهي بإعادة احتلال كامل غزة. وحذر غالانت قائلاً إن “حماس قد تستعيد قوتها طالما ظلت تسيطر على الجانب المدني”، وعليه فالفشل في تقديم “سلطة حكم بديلة” هو “مساو للاختيار بين أسوأ الخيارين: حكم “حماس”، أو سيطرة إسرائيل على غزة”. وردّد مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان نفس اللازمة، يوم الإثنين، حيث قال: “الضغط العسكري ضروري، ولكنه ليس كافياً لهزيمة “حماس” بالكامل”، و”لم ترفق جهود إسرائيل بخطة سياسية لمستقبل غزة والشعب الفلسطيني، فسيستمر الإرهابيون بالعودة”.
وفي الأسبوع الماضي، قال نتنياهو إن إسرائيل قتلت 14,000 من مقاتلي “حماس”، لكن الجيش الإسرائيلي وضع الرقم في الشهر الماضي بـ 13,000 مقاتل، رغم عدم وجود ما يؤكد الأرقام. وحتى لو حدث فهو لا يتعدى نصف القوة القتالية لـ “حماس”، ولا يأخذ بعين الاعتبار الفصائل الصغيرة التي تتنافس مع “حماس” للتأثير في غزة. وقتلت الحرب حتى الآن أكثر من 35,000 فلسطيني، حسب وزارة الصحة في غزة، والتي تقول إن معظمهم من النساء والأطفال، وتم تدمير النظام الصحي في القطاع، واستحكمت المجاعة في شمال غزة، حسب مديرة برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.
وعلق الباحث في وقفية كارنيغي للسلام العالمي والمعهد الملكي للدراسات المتحدة أتش إي هيلير: “لن أستغرب لو قامت حماس والجماعات المتشددة الأخرى بتجميع صفوفها من جديد وبسهولة”.
وكما قال، فالحركة، وإن أضعفت بشكل جوهري ومتميز، لكنها ناشطة في غزة منذ ثمانينات القرن الماضي وتديرها منذ عام 2007، ولهذا فهي “لن تختفي بسهولة”. وأضاف أن الجيش الإسرائيلي، الذي يعد واحداً من “أقوى الجيوش” في العالم، وبعد سبعة أشهر من القصف الجوي والمدفعي والعمليات البرية، “لا يزال بعيداً عن تحقيق النصر”.
وبحسب سكان في مخيم جباليا، عندما انسحب الجيش الإسرائيلي من المخيم، عادت “حماس” وبدأت حملة تجنيد وتوفير وظائف وإقامة مقرات لها. وقال مواطن في المخيم عمره 42 عاماً: “كان هناك حضور للشرطة، ولكن بدون زيّ، وكلهم كانوا بزي مدني”.
ونقلت الصحيفة عن الجنرال تامير هيمان، المسؤول السابق للاستخبارات العسكرية، حديثه عن عدة “طبقات” لمقاتلي “حماس” في المدينة. وأضاف أن العملية ستركز على الناس المختبئين تحت الأرض وتحت المنشأت العسكرية وغيرهم فوق الأرض، ولهم علاقة بالطبقة تحت الأرض.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن 273 من جنوده قتلوا في غزة منذ العملية في تشرين الأول/أكتوبر. ورغم انخفاض مستوى الرشقات الصاروخية المكثفة من قطاع غزة، إلا أن الهجمات الصاروخية لم تتوقف، حيث شوهد صاروخ في الجو متجه نحو بلدة سديروت.
ويعتقد الجنرال إسرائيل زيف أن الجيش في طريقه لقتال “حرب متعددة المستويات”، كما فعل في جنوب لبنان بالثمانينات من القرن الماضي. وهي الحرب التي شهدت معارك شرسة واحتلالا لمدة 15 عاماً، وفشلت في تحييد “حزب الله”. وقدّر زئيف قدرات “حماس” بـ 20,000 مقاتل، و”تستطيع تجنيد 40,000 آخرين”.
وقال زئيف إن الإنجازات العسكرية الأولى “تبخرت” بسبب غياب الخطة السياسية. وقال: “لو كنت تمارس العمل العسكري فقط بدون حل دبلوماسي، فأنت في مستنقع، وإسرائيل عالقة في غزة”.
ورفض نتنياهو الخطط الأمريكية لمنح السلطة الوطنية دوراً في إدارة غزة، كما أن رفضه لمعالجة جوهر النزاع يمنع الدول العربية من المشاركة في التخطيط لما بعد الحرب. ويقول هيلير: “من يريد المجيء والحكم والتحول بالضرورة لشرطة للاحتلال الإسرائيلي؟”.
معلق أمني: الجيش الإسرائيلي فَقَدَ بوصلته، فهم مثل الزومبي يتجولون هنا وهناك، ولا يعرفون ماذا يفعلون
ورفض نتنياهو الحديث عن “اليوم التالي”، ووصفه يوم الأربعاء بأنه “كلام فارغ” ولا معنى له طالما ظلت “حماس” تسيطر عسكرياً على غزة. وبدون خطة يحذر الخبراء العسكريون من أن إسرائيل تسير نحو احتلال جديد وهو سيناريو كابوسي للجيش، وسط رفض الإدارة الأمريكية للوجود العسكري في غزة، فهي كما تقول “أرض فلسطينية وستظل أرضاً فلسطينية”.
وتحدث غالانت، في تشرين الأول/أكتوبر، قائلاً إن “سحب المسؤولية الإسرائيلية عن الحياة في غزة” هو واحد من أهداف الحرب، وبعد سبعة أشهر باتت الأمر إمكانية بعيدة. وقال كوبي مايكل، الخبير في معهد دراسات الأمن القومي: “للأسف لم نلق بالاً لاستبدال حماس”، مضيفاً: “الخيار الوحيد هو إدارة عسكرية مؤقتة تتولى إدارة المنطقة والمساعدات الإنسانية للسكان”، حيث لاحظ أن هذه الفكرة تناقش بجدية في أوساط المؤسسة العسكرية.
وهذا قريب من تصريحات نتنياهو الذي أكد على غزة منزوعة الأسلحة بعد “الانتصار” في الحرب، ما يعني بقاءها في غزة: “لو اقتضى الأمر وجودك في الداخل فيجب أن تكون في الداخل”.
وقال المعلق الأمني في صحيفة “هآرتس” يوسي ميلمان إن الجيش الإسرائيلي فَقَدَ بوصلته “فهم مثل الزومبي يتجولون هنا وهناك”، و “لا يعرفون ماذا يفعلون”.
وفي مقال كتبه المعلق المقرب من الأوساط الأمنية الإسرائيلية ديفيد إغناطيوس بصحيفة “واشنطن بوست” قال إن الإدارة الأمريكية باتت ترى في غالانت رجلاً يمكنه حل الوضع في غزة. وفي تصريحات للكاتب، قال غالانت: “الفكرة بسيطة”، و”لن نسمح لحماس بالسيطرة على القطاع، ولا نريد إسرائيل أن تسيطر عليه، فما هو الحل؟ لاعبون محليون فلسطينيون يدعمهم لاعبون دوليون”.
ويرى الكاتب أن تصريحات غالانت تحوّل في النقاش حول ما بات يعرف “اليوم التالي”. وقال إن هذا الحل قد يمزق حزب الليكود الذي ينتمي إليه نتنياهو وغالانت، ويزيد الحديث المتنامي في إسرائيل والولايات المتحدة عن أن غالانت قد يكون رئيس الوزراء القادم لإسرائيل.
وأشار إلى ما قاله غالانت: “أدعو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاتخاذ قرار”، ودعم “حكم بديل لحماس في قطاع غزة”، وإن “التقاعس هو في الحقيقة قرار، وسيقود إلى مسار خطير”.
وعلق الكاتب بأن رؤية غالانت تتوافق مع موقف الإدارة التي طلبت، ولأشهر، من نتنياهو دعم قوة أمن فلسطينية قادرة على توفير الأمن والنظام. وألمح إلى حديث مستشار الأمن القومي سوليفان بأن “أي عملية عسكرية يجب أن تكون مرتبطة بنهاية لعبة إستراتيجية تجيب على السؤال التالي: “ماذا سيحدث بعد؟”، و”نريد نتيجة يتم فيها طي الصفحات”.
غالانت: لن نسمح لحماس بالسيطرة على القطاع، ولا نريد إسرائيل أن تسيطر عليه، فما الحل؟ لاعبون محليون فلسطينيون يدعمهم لاعبون دوليون
ويقول المسؤولون إن غالانت تولى دوراً مهماً في الحوار مع الأمريكيين، وسط تردي العلاقات مع نتنياهو، ووصفه أحد المسؤولين بأنه “حلّال مشاكل لا يستغنى عنه”. وفي كانون الثاني/يناير، قدم غالانت خطة احتوت على نقطة مركزية وهي: “سكان غزة هم فلسطينيون، وعليه فالمؤسسات الفلسطينية هي التي ستحكم بشرط عدم حدوث أفعال عدوانية ضد إسرائيل”.
واقترح قوة متعددة الجنسيات للمساعدة على استقرار غزة، وتضم شركاء من دول عربية وأوروبيين وأمريكيين، وبدور مهم لمصر “كلاعب مهم”.
ومع أن غالانت لم يشر إلى دور السلطة الوطنية، إلا أن مسؤولي الدفاع يعترفون بأهمية ارتباط القوة الأمنية الجديدة مع السلطة الوطنية برام الله.
وقال مسؤول دفاعي إسرائيلي: “في غزة لون العلم، إما “حماس” أو السلطة الوطنية، ولا خيار آخر. وعلينا بناء قوات محلية وجهتها رام الله”.
ويشترك الإسرائيليون، الذين يدعمون هذا الموقف البراغماتي، مع موقف الإدارة من سلطة متجددة أقل فساداً وأكثر فاعلية. وأخبره مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون أن جهاز الشاباك الإسرائيلي يدرس إمكانية تجنيد قوة أمن من بين 8,000 شخص لهم علاقة مع السلطة الوطنية. وقال مسؤول إن التقييم يقوم على معيار “كم عدد الذين ينتمون إلى حماس ومن هم كبار في العمر أو ماتوا”.
واعترف غالانت بأن الاعتماد على قوة فلسطينية بعد الحرب في غزة ليس الحل الأمثل، و”أحارب الفلسطينيين منذ عام 1976، وأعرف المخاطر، ولكن الخيار هو أن تحكم “حماس” غزة، أو تحكمها إسرائيل”، وكلاهما غير مقبول.