الشرع في الكرملين.. هل تسلم موسكو بشار الأسد إلى دمشق؟

لم ينتظر الرئيس السوري أحمد الشرع الموعد الجديد لانعقاد القمة الروسية العربية المؤجلة؛ وكانت مزمعة في الخامس عشر من الشهر الجاري، فقرر أن يلتقي في موسكو نظيره الروسي وسط توقعات مختلفة بشأن جدول أعمال الزيارة ومدتها نهار واحد خلف الأبواب الموصدة.
كان الشرع تحدث لقناة أميركية عشية الزيارة عن مطالبة دمشق بتسليم المخلوع بشار الأسد المقيم مع أسرته وعدد كبير من بطانته في أرقى حي بموسكو (موسكو ستي)، يحتل عدة شقق فارهة اشتراها على مدى السنوات السابقة لهروبه، بنقل حقائب مثقلة بأموال الشعب السوري، تصل عبر رحلات طيران خاصة أو رحلات عادية إلى موسكو منذ العام 2014، لتوظفها شبكة من العملاء التجاريين والسماسرة وتستثمرها عقاريا وتشتري أصولاً لبنوك خاصة كبيرة.
تقاول بشار وخاله محمد مخلوف على نهب وتهريب الأموال السورية ونقلها إلى ثلاث وجهات، روسيا وبيلاروس ورومانيا، وشارك عدد كبير من السماسرة في نقل الأموال وتصريفها، ويحتفظ كاتب السطور بشهادات لأشخاص كانوا ضمن البطانة المسؤولة عن تمشية معاملات بيت الأسد ومخلوف، لكنهم يرفضون الإدلاء بتصريحات علنية خوفا من انتقام العصابة التي لا تزال يدها طويلة رغم أنها لم تعد في سدة الحكم.
في نفس السياق، كان الوكلاء يهربون صفائح وسبائك الذهب، وعليها ختم المصرف المركزي السوري في تلك الحقائب، وبعضها يتم استلامها في السفارة السورية بموسكو تحت غطاء شراء أسلحة ومعدات للجيش العربي السوري دون علم أو معرفة الجهات الروسية الرسمية.
في أول اتصال حكومي بين موسكو ودمشق بعد سقوط نظام الأسد، وأثناء زيارة وفد برئاسة نائب وزير الخارجية، مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا سابقا، ميخائيل بوغدانوف في 28 يناير/ كانون الثاني من هذا العام، طالب الشرع بتسليم الأسد وبطانته المتورطة في ارتكاب جرائم ضد السوريين لمحاكمتهم، وكذلك إعادة الأموال المنهوبة.
وكان رد الدبلوماسي الروسي، بأنه من المستحيل إجراء محاكمة عادلة في ظروف استثنائية تمر بها سوريا التي لم يمض على تغيير سلطتها غير بضعة شهور لم تتضح خلالها ملامح الدولة الجديدة.
أما المطالبة بالأموال، فتحتاج إلى وثائق ثبوتية عن عائدتها للخزينة الحكومية السورية.
فالمعروف أن أسرة الأسد- مخلوف لم تكن تدرج عائدات النفط في خزينة الدولة، إلى جانب المسالك غير القانونية التي استخدمها نظام الفساد والاستبداد في نهب ثروات الشعب السوري.
يذكر أن قاضي التحقيق بدمشق توفيق العلي، أصدر نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، مذكرة توقيف غيابية بحق الأسد، تمهيداً لمتابعة القضية دولياً عبر منظمة الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) الأمر الذي يعني أن الشرع سيضع على طاولة المفاوضات في الكرملين مع نظيره الروسي ملفات جنائية من الواضح أن القضاء السوري أعدها عشية الزيارة.
تصريحات الشرع لقناة “سي بي أس” الأميركية، تشدد على أن بلاده ستستخدم الوسائل القانونية المتاحة للمطالبة بمحاسبة رئيس النظام السابق بشار الأسد، دون الدخول في صراع مكلف مع روسيا التي لم يخف الشرع في تصريحات سابقة تقديره لموقفها المحايد أثناء زحف الفصائل المسلحة نحو العاصمة السورية وتساقط المدن تباعا أمام أعداد محدودة من المقاتلين دون مقاومة أو تدخل فعّال من الطيران الروسي أو القوات المرابطة في قاعدة حميميم والقواعد العسكرية الروسية المنتشرة في مختلف مناطق سيطرة نظام الأسد سابقا.
بعترف الشرع بأنه لولا الموقف الروسي المهادن، لكانت كلفة دخول دمشق باهظة ودموية، ولعل المستقبل سيكشف الكثير من التفاصيل عن الأيام العشرة التي هزت سوريا وأطاحت نظام الفساد والاستبداد.
من غير المتوقع أن يتحول ملف تسليم الأسد وبطانته واستعادة أموال سوريا المنهوبة، كعب أخيل في العلاقات بين دمشق التي تشعر بالحاجة إلى المعادل الروسي في العلاقة مع واشنطن، وموسكو التي لن تفرط بوجودها العسكري والسياسي في بلد يوصف بأنه أحد أهم مفاتيح المنطقة إن لم يكن أهمها، ومن غير المحتمل أن تفرط روسيا بشريك واعد لـ”صالح دكتاتور قاتل هرب بليل حتى دون أن يبلغ قادة جيشه المنهزم، ويقضي كل يومه؛ في البرج الزجاجي الشاهق “موسكو سيتي” معلقا بالأدوار العالية؛ يدمن اللعب على الكومبيوتر؛ بينما يعاقر شقيقه ماهر الخمر، ويوجه أزلامه لبث الشائعات والأخبار الكاذبة، تارة عن أن قناة تلفزيونية عربية أجرت مقابلة مع بشار يتحدث عبرها عن عودته القريبة إلى سوريا”، وفقا لمزاعم مجلة ألمانية.
وقد ترافق الخبر المدسوس عشية زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة إلى موسكو مطلع آب/ أغسطس الماضي.