بين التضامن الحقيقي والاستعراض الإعلامي: لماذا رفضت مصر عبور القافلة إلى غزة؟

بقلم| محمد نصر – صحافة وإعلام
-في خضم الأزمة الفلسطينية المستمرة، وتحديدًا العدوان على غزة، تتعالى الأصوات المناصرة والداعية للدعم الإنساني، وتكثر المبادرات الرمزية التي تتخذ من “الاستعراض الإعلامي” وسيلة لإظهار التعاطف. غير أن ما يراه البعض “تضامنًا شعبيًا”، قد تراه الدولة مساسًا بسيادتها، وتجاوزًا لقوانينها.

-ولعل الحدث الأبرز مؤخرًا هو محاولة مجموعة من النشطاء عبور قافلة مساعدات إلى غزة عبر الحدود المصرية، دون تنسيق رسمي أو وجود مساعدات حقيقية ملموسة. ما دفع الدولة المصرية إلى اتخاذ موقف حازم بالرفض، أثار جدلًا واسعًا وردود فعل متباينة. لذا، كان من الضروري توضيح الحقائق والرد على حملات التشكيك.
-أولًا: ما طبيعة القافلة التي رُفض عبورها؟
بحسب التصريحات والمشاهد المتداولة، فإن القافلة التي حاولت العبور لم تكن تحمل في معظمها أدوية أو معدات طبية أو حتى إغاثية. بل اقتصرت على لافتات، وكاميرات، وهتافات. لم يكن هناك صندوق دواء، ولا علبة حليب، ولا أدوات علاج لجُرحى، ولا تجهيزات لإنقاذ حياة مدنيين في غزة.
-ولعل السؤال البديهي هنا: ماذا سيحدث لو دخلت هذه القافلة إلى غزة؟
هل الهدف هو دعم فعلي، أم نشر صور ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي؟
-ثانيًا: ما هو الموقف الرسمي المصري؟
-الدولة المصرية أوضحت موقفها بشكل حاسم وواضح. فقد صرّحت وزارة الخارجية المصرية أن أي دخول للحدود يتطلب تنسيقًا رسميًا وتصاريح معتمدة وموافقة أمنية، شأنها في ذلك شأن أي دولة ذات سيادة في العالم.
-إن عبور قوافل من دول تعاني من اضطرابات أمنية، كليبيا مثلًا، لا يمكن السماح به بدون ضوابط صارمة، حمايةً لأمن مصر القومي. فالدولة لا تستطيع فتح حدودها لتحركات غير آمنة، أو لأشخاص غير معروفين لا يحملون أي توثيق رسمي لهويتهم أو نواياهم.
-ثالثًا: هل مصر تعيق دخول المساعدات إلى غزة؟
-الإجابة القاطعة: لا.
معبر رفح يعمل بشكل يومي، وتدخل منه مساعدات إنسانية بالأطنان، كما تستقبل مصر آلاف المصابين للعلاج في مستشفياتها، وتُرسل وفودًا دبلوماسية للتفاوض ومحاولة الوصول لوقف إطلاق النار.
-لكن هذا الدعم يتم بصمت، دون ضجيج، ودون استعراض على وسائل التواصل. فالدعم الحقيقي لا يحتاج إلى كاميرات أو شعارات، بل إلى تنسيق، واحترافية، واحترام للسيادة.
-رابعًا: محاولات الضغط الإعلامي… إلى أين؟
-هناك محاولات متزايدة من بعض الجهات الإعلامية لإظهار مصر وكأنها ترفض دعم فلسطين، أو تقف حائلًا أمام دخول المساعدات. تُطرح شعارات مثل “افتحوا معبر رفح” و”لماذا تمنع مصر التضامن؟”، لكن الواقع أن مصر لم تغلق المعبر، بل تتعامل وفق القانون والسيادة الوطنية.
-الرد هنا بسيط:
-“التضامن لا يعني تجاوز قوانين الدول. التضامن الحقيقي يحترم السيادة، ويُقدَّم من خلال قنوات رسمية، وبما يحفظ أمن الجميع”.
-خامسًا: رسالة للذين يزايدون
-كلمة أخيرة يجب أن تُقال بوضوح:
فلسطين لن تتحرر باللافتات، ولا بفيديوهات التيك توك.
-ومن أراد أن يُساعد بحق، فليتجه إلى الطرق الرسمية، ويُنسق مع الجهات المصرية المختصة، ويُشارك بدعم فعلي ملموس، لا استعراضي سطحي.
في الختام
مصر، بتاريخها ومواقفها، لا تحتاج إلى من يُذكّرها بفلسطين، فهي التي دفعت من دماء جنودها آلاف الشهداء من أجل القضية الفلسطينية. لكنها في الوقت ذاته دولة ذات سيادة، لا تسمح بعبور عشوائي، ولا تقبل أن تُستغل سيادتها لأغراض إعلامية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى