زعامة الجامعة العربية ليست عنوانًا عابرًا..

ومصر ليست مجرد مقر.

بقلم الدكتور مصطفى السنوسي.
-في الآونة الأخيرة، تصاعدت بعض الدعوات التي تطالب باختيار أمين عام لجامعة الدول العربية من خارج مصر، بل وذهبت بعض الأصوات إلى اقتراح نقل مقر الجامعة ذاته إلى عاصمة عربية أخرى، بزعم تجديد الدماء أو إعادة توزيع الأدوار داخل المنظومة العربية.
-لا خلاف على أن من حق كل دولة عربية أن تطمح للعب دور أكبر في محيطها الإقليمي، وهذا حق مشروع ما دام يستند إلى الكفاءة والمساهمة الفاعلة، لا إلى الأهواء أو حسابات النفوذ الآني. ومن الطبيعي كذلك أن تخضع المؤسسات الإقليمية الكبرى لتقييمات دورية لمسارها وقياداتها، ولكن دون أن تُختزل رمزية التاريخ ومكانة الدولة المؤسسة في معادلات طارئة أو مزايدات مؤقتة.
-مصر لم تكن يومًا مجرد دولة مضيفة لمقر جامعة الدول العربية، بل كانت صاحبة المبادرة الأولى، والراعية الدائمة، والدافعة المستمرة لفكرة الوحدة والتضامن العربي، منذ اللحظة الأولى لتبلور مشروع الجامعة في أربعينيات القرن الماضي. فقد وُلدت الفكرة من قلب القاهرة، واحتضنتها الإسكندرية في أول بروتوكول تأسيسي، ووقّع على ميثاقها الأول زعماء وممثلو الدول العربية في قصر الزعفران بالعاصمة المصرية، لتظل القاهرة القلب السياسي والثقافي النابض للعرب.
-إن الزعامة في عالم السياسة لا تُمنح بقرار، ولا تُنتزع بتصريحات أو ضغوط مالية، بل تُصنع عبر عقود من المواقف، والتضحيات، والقدرة على جمع الصف العربي في أوقات الأزمات. وهذه مكانة لا تقاس بموارد، ولا تُشترى بنفوذ، ولا تُلغى بمرور الوقت.
-نحن لا نرفض – من حيث المبدأ – أن يُفتح باب الترشح لمنصب الأمين العام أمام جميع الكفاءات العربية المؤهلة، شريطة أن تظل مصر حاضرة بقيمتها، لا مجرد اسم ضمن قائمة المتقدمين. فالمسألة لا تتعلق بموقع شاغر، بل بتاريخ من التوازن والدور المحوري، يجب احترامه من الجميع.-أما أولئك الذين يطالبون بنقل المقر أو الزعامة من مصر، فعليهم أن يتذكروا أن مصر لم تتخلَّ يومًا عن التزاماتها القومية، حتى في أصعب لحظاتها، وأنها ظلت – رغم الأزمات – درعًا وسندًا لقضايا الأمة، في زمن الوفرة كما في زمن المحنة.
-وفي الختام، لا بد أن نفرّق بين الطموح المشروع، وبين محاولات القفز على دور تأسيسي لا يمكن تجاوزه. فالجامعة العربية ليست مبنى يُنقل، ولا مقعدًا يُمنح، بل كيان ترتبط شرعيته بجذوره، وتكتمل فاعليته بتوازن أدواره.
-ومصر ستظل، شاء من شاء وأبى من أبى، أحد أعمدة النظام العربي، لا تنازع على دورها، ولا تُستدرج لمعارك زائفة حول من له الريادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى