المساعدات الإنسانية في غزة من شريان حياة إلى مصيدة موت

تحولت المساعدات الإنسانية في غزة من شريان حياة إلى مصيدة موت، بعدما باتت تُستخدم من قِبل الاحتلال الإسرائيلي غطاءً مكشوفاً لارتكاب جرائم قتل جماعي بحق المدنيين الجائعين.
فتحت ذريعة “الإغاثة” تُنصب الفخاخ في مناطق تُسمى “عازلة”، لتُسفك فيها دماء الأطفال والنساء والرجال الذين لم يخرجوا إلا سعياً خلف لقمة تسد رمقهم بعد شهور طويلة من الحصار والتجويع.
ولم يعد ما يجري اليوم جنوب القطاع، وتحديداً في محيط مراكز توزيع المساعدات في رفح، مجرد فشل إنساني، بل جريمة ذات طابع سياسي وأمني متكامل، تُدار بعناية ودعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، التي رعت المخطط الجديد لتوزيع المساعدات عبر كيان مشبوه يُدعى “مؤسسة غزة الإنسانية”، ويعمل خارج أطر الشرعية الإنسانية والدولية، ليغدو أداةً في يد الاحتلال لتحقيق هدفين متوازيين: استمرار الحصار والتجويع، وتنفيذ عمليات قتل جماعي وسط مشهد يبدو ظاهرياً إغاثياً وإنسانياً.
المدنيون الفلسطينيون، الذين يغامرون بأرواحهم لعبور الطريق نحو تلك المراكز، يعودون محمولين على الأكتاف، أو محشورين في عربات الإسعاف، بين شهيد وجريح. فبالأمس فقط، ارتقى 35 شهيداً وجرح العشرات في محيط نقطة توزيع مساعدات غربي رفح، وهي نفس المنطقة التي شهدت مجزرة مشابهة قبل أيام، لتبلغ الحصيلة الكاملة منذ بدء هذا المخطط في 27 مايو الماضي تجاوزت 75 شهيداً وأكثر من 400 جريح، وجميعهم كانوا في طريقهم للحصول على فتات خبز أو علبة طعام.
ومما يزيد من بشاعة هذه المجازر أنها تُرتكب علناً، وعلى مرأى من العالم، تحت لافتة المساعدات الإنسانية، وبدعم أمريكي سياسي ولوجستي واضح، في تواطؤ فاضح مع الاحتلال.
ويواصل المجتمع الدولي، الذي يُفترض أنه الحارس الأخلاقي للقانون الإنساني، غيابه الكارثي عن مشهد الإبادة في غزة، مكتفيا بالإدانات الشكلية التي لم تعد تُقنع أحداً، في ظل غياب أي إرادة حقيقية لفرض وقف لإطلاق النار، أو حتى مساءلة الاحتلال على مجازره المتكررة.
أما محكمة العدل الدولية، التي أصدرت أوامر واضحة بوقف الحرب ومنع ارتكاب جرائم ضد المدنيين؛ فقد تحولت أوامرها إلى ورق مهمل، لا تلتفت إليه آلة الحرب التي تواصل سحق الحياة في القطاع.
وفي موازاة هذا الصمت الأممي تتكشف الفجوة العربية القاتلة، حيث لا صوت يُسمع، ولا موقف يُسجّل، وكأن ما يحدث في غزة لا يعني أحداً من الدول العربية. فباستثناء بعض التصريحات الخجولة؛ لم تُبادر أي دولة عربية إلى تحرك حقيقي على المستوى الدبلوماسي أو القانوني، ولم تُستخدم أي من أدوات الضغط السياسي أو الاقتصادي لوقف حمام الدم.
المجزرة في غزة لن تتوقف ببيانات الشجب، ولا بندوات التضامن، بل تتطلب كسر دائرة الإفلات من العقاب، وإنهاء التواطؤ الغربي والعربي، ورفع الغطاء السياسي عن الاحتلال، وفرض رقابة دولية على الإغاثة، وإعادة الاعتبار للقانون الدولي الإنساني الذي يُداس اليوم في غزة مع كل قطرة دم تنزف على طريق الخبز.