الأزهر والتقريب بين المذاهب

يعد الأزهر لمؤتمر التقريب بين المذاهب فى إطار دعوته إلى إحلال التقارب بين أصحاب المذاهب الدينية بديلا عن الإنقسام والتشرذم الذى أضعف العالم الإسلامى وأعطى لأعدائه الفرصة لتحقيق أهدافهم. ودعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية ليست جديدة، ففى سنة 1938 شجع الإمام الأكبر الشيخ مصطفى المراغى شيخ الأزهر وقتذاك إنشاء دار التقريب بين المذاهب فى القاهرة، وأعادها الإمام الأكبر الشيخ محمد شلتوت شيخ الأزهر الأسبق وشاركه كبار العلماء من الأزهر وقال إن الإسلام لا يوجب اتباع مذهب معين، وللمسلم أن يأخذ من كل مذهب من مذاهب السنة المعروفة ومن مذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، وعلى المسلمين أن يتخلصوا من التعصب لمذهب معين. وكان من الأعضاء المؤسسين لدار التقريب 1947 الشيخ محمد المدنى عميد كلية الشريعة ورئيس تحرير مجلة «رسالة الإسلام» التى كانت تصدرها دار التقريب، التى بدأ إصدارها سنة 1949 واستمرت منتظمة فى الصدور خمس سنوات وفيها دراسات تعتبر ثروة فكرية تستحق إعادة نشرها فى كتاب، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمد الغزالى، والشيخ سيد سابق، والشيخ عبد اللطيف الفحام، والشيخ عبدالعزيز عيسى، والشيخ أحمد حسن الباقورى، وغيرهم من علماء مذهب الشيعة الإمامية وعدد من كبار علماء مذهب الزيدية فى اليمن.

وعندما كان الشيخ الباقورى وزيرا للأوقاف رأى أن يقدم الدليل على أن فقه الشيعة الإمامية لا يختلف عن فقه أهل السنة، فقرر أن تتولى وزارة الأوقاف طبع كتاب «المختصر النافع فى فقه الإمامية» من تأليف الشيخ أبو القاسم الحلى المتوفى سنة 676 هجرية، وهو من كبار فقهاء الشيعة وصدرت الطبعة الثانية سنة 1958 وقال الشيخ الباقورى إن زيادة الإقبال على هذا الكتاب دليل على النضوج فى الوعى الذى يؤدى إلى الوحدة بين المسلمين.. وفى هذا الكتاب ما يؤكد أن الخلاف فى الفقه بين السنة والشيعة فى الفروع وليس فى أصول الدين فهو كالخلاف بين مذهب مالك ومذهب أبى حنيفة مثلا، وقال الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت إن الهدف ليس توحيد المذاهب الإسلامية أو إلغاءها، ولكن الهدف هو أن يتفهم المسلمون أن كل المذاهب تتفق فى الإيمان بالله، وبالقرآن، وبالرسول، وبالفروض (الصلاة والصيام والزكاة والحج).

والخلاف حول الإمامة وزواج المتعة لا سبيل إلى التوفيق بينها وبين مذاهب السنة، ولابد من إدراك الفرق بين مذهبى الشيعة الإمامية والزيدية وبين الفرق الأخرى التى تسمى «غلاة الشيعة» ولها معتقدات مختلفة لا تتفق مع ما استقر فى الشريعة الإسلامية ولا مكان لها فى الحوار. وفى عام 1952 نشر فى القاهرة لأول مرة تفسير للقرآن من تفاسير الشيعة هو «مجمع البيان فى علوم القرآن» الذى ألفه الفقية الشيعى أبو على الفضل بن الحسن الطبرسى من علماء القرن السادس الهجرى، وكتب عنه الشيخ عبدالمجيد سليم شيخ الأزهر فى ذلك الوقت إنه فى مقدمة كتب التفسير التى تعد مراجع لعلوم القرآن، وهو دائرة معارف فيه كل ما يهم الباحث معرفته من روايات القرآن وقراءته وأسباب النزول وما أجمع عليه المفسرون وما اختلفوا فيه، ومؤلفه (الطبرسى) من مراجع الشيعة الإمامية، ومع ذلك لا يلاحظ القارئ فيه صيغة مذهبية. وكان الذين اختاروا هذا التفسير وأشرفوا على إصداره ليكون عملا من أعمال التقريب بين المذاهب الإسلامية شيخ الأزهر الشيخ عبد المجيد سليم الذى شغل منصب مفتى الديار المصرية ما يقرب من عشرين عاما، والشيخ محمود شلتوت الذى كتب المقدمة وكان وقتها وكيلا للأزهر وقال فى المقدمة (إن المسلمين ليسوا أصحاب أديان مختلفة، إنما هم أصحاب دين واحد وكتاب واحد وأصول واحدة، فإذا اختلفوا فهو احتلاف الرأى مع الرأى، والرواية مع الرواية، وكلهم طلاب الحقيقة، وعلى المسلمين وعلمائهم وقادتهم أن يتبادلوا المعرفة والثقافة وأن يقلعوا عن سوء الظن وعن الطعن والسباب، وأن يجعلوا الحق رائدهم ويأخذوا من كل شىء أحسنه) (..فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) [الزمر١٧ – 18] وقال عنه الشيخ محمد المدنى وكان عميدا لكلية الشريعة إن اختيار هذا الكتاب لأن مؤلفه وقف موقف الإنصاف وأعطى مخالفيه مثلما أعطى موافقيه ليمكّن القارئ من الحكم .. واشترك فى تحقيق هذا الكتاب الشيخ عبدالعزيز عيسى وكان وقتها مدير المعاهد الأزهرية وأصبح بعد ذلك وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر، وصدر الكتاب فى عشرة أجزاء.

وفى سنة 1966 أصدر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية كتابا بعنوان (دعوة التقريب من خلال رسالة الإسلام) وأصدر المجلس كتابا ثانيا سنة 1991 بعنوان (دعوة التقريب: تاريخ ووثائق) فيه آراء كبار علماء المذاهب وفيها أن هذه الدعوة مقصورة على الجانب الدينى بعيدا عن الخلافات السياسية فلها ظروفها ورجالها.

هكذا نرى أن أئمة المذاهب السنية من علماء الأزهر قد بذلوا جهدا كبيرا للتقريب، فهل يعنى ذلك أنه لا خلاف بين السنة والشيعة؟ لم ينكر أحد أن هناك اختلافات فى التفسير وفى الفقه، كما أن هناك اختلافات بين مذاهب السنة نفسها واختلافات بين مذاهب الشيعة أيضا، وهذا شىء طبيعى لاختلاف وجهات النظر، والجميع متفقون على مبادئ الإسلام، ومتفقون على رفض الروايات الإسرائيلية الموضوعة فى بعض كتب التفسير وفى كتب الأحاديث. وفى الآراء الباطلة التى راجت فى عصور التخلف والضعف الفكرى – والجميع متفقون على استبعاد (غلاة الشيعة) من هذا الحوار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى