فى ذكرى الإمام جاد الحق «4»

بقلم المفكر والكاتب الكبير رجـب البنـا
فى عام 1994 عقد فى القاهرة مؤتمر السكان برعاية الأمم المتحدة، شاركت فيه 179 دولة بوفود رسمية على أعلى مستوى و 20 ألف مشارك من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية، وكان نائب الرئيس الأمريكى ضمن المشاركين .. كان الاعتقاد السائد – كما روجت وسائل الإعلام أن اختيار مصر لتكون مقرا لكل هذا التجمع الدولى يعكس أهميتها، وصدرت تصريحات من المسئولين ومن بعض رجال الدين ترحب بالمؤتمر وموضوعاته. وانتظر الجميع كلمة الأزهر، ولم يصدر الإمام جاد الحق شيخ الأزهر بيانه ولكنه شكل لجنة من كبار علماء الأزهر وأساتذة جامعة الأزهر لدراسة أوراق المؤتمر، فتبين أن القضايا الأساسية فيه عن إباحة الإجهاض دون شروط، وإباحة المثلية على أنها من حقوق الإنسان، وإباحة العلاقات خارج الزواج على أنها من الحريات الأساسية..
وأصدر الإمام جاد الحق بيانا أدان فيه هذا المؤتمر وقال إنه يستهدف الأسرة المسلمة وهى المؤسسة التربوية التى تغرس وتحمى القيم الإسلامية وإن الأزهر يرفض ما يسعى إليه المؤتمر من إباحة ما حرمه الله. وتراجع العلماء الذين أيدوا المؤتمر وأصدر الرئيس مبارك بيانا أكد فيه «لن نسمح بأن تصدر قرارات تتعارض مع الدين والقيم الإسلامية»..
رفض الإمام جاد الحق أن يؤجل بيانه إلى أن تنتهى أعمال المؤتمر وأدلى بأحاديث استنكر فيها أن تقبل الحكومة المصرية عقد هذا المؤتمر فى بلد الأزهر. ولم يكن هذا هو الموقف الوحيد الذى وقف فيه بصلابة ليعلن كلمة الأزهر رافضا السكوت عن الحق، فأصدر بيانا شديد اللهجة أدان فيه الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين وعلى المسجد الأقصى وأدان التأييد الأمريكى لإسرائيل فى عدوانها وأكد عروبة القدس وحقوق الفلسطينيين فى وطنهم. وبعد ذلك جاء رئيس وزراء إسرائيل إلى القاهرة وأراد زيارة شيخ الأزهر فرفض الإمام جاد الحق استقباله وأدلى بتصريح قال فيه إنه لا يضع يده فى يد قاتل مغتصب. ونظم ندوة عن القدس شارك فيها كبار العلماء من البلاد الإسلامية ومن أوروبا.
وتعرض الإمام جاد الحق لحملة تصفه بأنه متشدد يقاوم التجديد الدينى ويرفض إعطاء المرأة حقوقها السياسية والاجتماعية مع أنه كان صاحب الفضل فى وضع القانون الذى أعطى للمرأة الحق فى اللجوء إلى الطلاق فيما عرف باسم قانون الخلع واستند إلى نص صريح فى القرآن، وتصدى بالأدلة الشرعية لبعض العلماء الذين عارضوا هذا القانون ونشر بحثا عن «القرآن والمرأة» قال فيه إن القرآن عنى بحقوق المرأة وحمايتها حتى إن إحدى السور عرفت باسم سورة النساء، وعرفت سورة الطلاق بأنها سورة النساء الصغري، فمكانة المرأة فى الإسلام لم تحظ بمثلها المرأة على مر العصور، وما يحدث من ظلم للمرأة إنما هو نتيجة سوء الفهم أو التزمت فى فهم القرآن، فالقرآن لم يفاضل بين الرجل والمرأة فى الجانب الإنسانى وفيه ما يقرر صراحة أن الرجل والمرأة شطرا من نفس واحدة لا يختلفان ولكن يتكاملان، وقد خص الله الأم بالتكريم وساوى الإسلام بين الرجل والمرأة فى المسئولية والتكليف فهى مستقلة ومسئولة عن معاملاتها «وكل نفس بما كسبت رهينة» [المدثر – 38] و«والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض» [التوبة – 71] وأساس علاقة الزواج فى الإسلام المودة والرحمة بين الزوجين، فليس فى الزواج مجال للسيطرة أو السلطة لطرف، والإسلام يقرر احتفاظ المرأة بكل مقومات شخصيتها وليس لزوجها أو لابنها حقوق على أموالها وتصرفاتها فيما تملك، ولا شك فى أن وضع المرأة فى الإسلام يتميز عن وضعها فى المجتمعات التى تدعى أنها الحارسة لحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وحين قرر الله أن يكون للمرأة نصف نصيب الرجل فى الميراث فهذا فى حالة وحيدة أوجب فيها على الرجل الإنفاق على المرأة، وللمرأة نفقة العدة بعد الطلاق وأضاف إلى ذلك نفقة المتعة «وللمطلقات متاع بالمعروف» [البقرة – 241] وشهادة المرأة نصف شهادة الرجل فى حالة واحدة هى المعاملات المالية لأن خبرة المرأة بهذه المعاملات كانت محدودة ويجوز الأخذ بشهادة امرأة واحدة فى بعض الحالات، وللمرأة ممارسة حقوقها السياسية وقد شاركت النساء فى اختيار الخليفة عمر، ولها أن تزوج نفسها إذا كانت بالغة عاقلة، ولم تكن المرأة فى عهد الرسول ممنوعة من العمل أو حضور الصلاة جماعة، والنقاب ليس فى الإسلام وعلى المرأة أن تكشف وجهها فى الصلاة وفى الحج والقول بعدم مصافحة المرأة لرجل لم يرد فيه نص، وأصدر فتوى بأن حصول مستأجر الأرض الزراعية على نصف ثمنها مقابل إخلائها محرم ويدخل ضمن أكل أموال الناس بالباطل لأن عقد الإيجار لا يستتبع ملكية الأرض المؤجرة.
وهو أول من أصدر فتوى رسمية بأن تنظيم النسل بمنع الحمل بموافقة الزوجين حلال ولكن لا يجوز أن تفرض الدولة تحديد النسل بقانون ولا يجوز التعقيم إلا إذا كان أحد الزوجين مصابا بمرض خطير ينتقل بالوراثة. ويجوز الإجهاض قبل مرور أربعة أشهر على الحمل حتى إن لم يأذن الزوج وفقا للمذهب الحنفي. وأعلن أن الإسلام يدعو إلى حرية الإنسان الشخصية وحرية التملك وحرية الفكر وحرية الاجتماع وحرية العقيدة قبل أن تظهر الدعوة لهذه الحريات بقرون، وأكد أن الإساءة إلى الأديان ليس من الحرية ولكنه اعتداء على العقائد والمقدسات..