كيف بنَت حماس قوتها ؟

آلاف الصواريخ، من كل حدب وصوب، تسقط على إسرائيل، في عملية “طوفان الأقصى”. اقتحام أكثر من 12 مستوطنةً إسرائيليةً جنوب إسرائيل وفي وسطها. نحو ألف مقاتل يصلون برّاً وبحراً وجواً إلى غلاف غزة، وسط ذعر ورعب من المستوطنين. القتلى سيتخطون الألف وفق التقديرات، والأسرى قرابة المئتين، والمفقودون بالمئات، وما زالت الإحصاءات مرشحةً للزيادة. أمام تلك الصورة، تجد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية نفسها عاجزةً ومكبلةً، وسط اتهامات هنا وهناك بالتقصير، وهنا يظهر السؤال الملح حول كيف بنَت حماس ترسانتها الصاروخية، وامتلكت هذه الأسلحة؟ وكيف فشلت إسرائيل بأجهزتها الأمنية في توقع الهجوم وصدّه؟

حماس… ليست مجرد أسلحة

سلّطت عملية “طوفان الأقصى” الضوء على حركة حماس، وأسلحتها وخططها الإستراتيجية في المناورات والهجوم والانسحاب وتحقيق مكاسب على أرض المعركة، وهو ما يُظهر التطور اللافت في القدرات العسكرية لديها، إلى جانب الكتائب الأخرى. وبرغم تعدد المواجهات بين حماس وإسرائيل، سواء في الغارات المتبادلة أو حتى الحروب المفتوحة التي شنّتها إسرائيل والتي كان آخرها عملية “حارس الأسوار” في 2021، لكن قوة الحركة لم تتلاشَ أو تضعف، وظهرت قدرات تسليحية وخططية كبيرة، وهو ما دفعنا للبحث في ترسانة الأسلحة الحمساوية، وكيف وصلت إليها؟

اتضح خلال عملية “طوفان الأقصى”، استخدام حركة حماس للطائرات من دون طيار، في تدمير دبابة إسرائيلية من نوع “ميركافا 4″، كما نجحت الحركة في تطوير أنظمة الاستهداف الصاروخية لديها من ناحية الدقة، حيث وصلت بعض صواريخ الحركة إلى تل أبيب، وبلغ مداها 70 كيلومتراً، ما يشير إلى تطور أنظمة التوجيه لديها.

الجزء الأكبر من ترسانة حماس والجهاد الإسلامي يأتي من قدرة تصنيع ديناميكية ومتطورة نسبياً داخل قطاع غزة نفسه، وهو ما لم تتوقعه إسرائيل، لماذا؟

وبرغم الحصار المفروض على قطاع غزة، إلا أن الحركة نجحت في تطوير ترسانتها، سواء بالتحالف مع دول أو جماعات، وتالياً تهريب الأسلحة والتزود بها، أو من خلال بناء مصانع محلية في غزة لتطوير وصنع الأسلحة المختلفة. ونشرت شبكة “بي بي سي” تقريراً في أيار/ مايو 2021، بعنوان “قوة ترسانة حماس وحدودها”، وعلى الرغم من أن الدراسة كانت منذ عامين، لكنها تعطينا دلائل مهمةً، أهمها أن إسرائيل تعلم القدرات العسكرية وبرغم ذلك لم تستطع كبح جماح حماس، بل زادت الحركة من قوتها وقدراتها.

وخلص التقرير إلى أن حماس تملك صواريخ كورنيت المضادة للدبابات، وصواريخ أرض-أرض، وصواريخ القسام قصيرة المدى، والقدس 101 ومداها 16 كيلومتراً، وسجيل 55، ومداها 55 كيلومتراً، وتمتلك الحركة صواريخ إم 75، ومداها 75 كيلومتراً، وكذلك M-302 والتي يصل مداها إلى مئتي كيلومتر، وتمتلك كذلك صواريخ “رجوم”، قصيرة المدى من عيار 114 ملم، وأنواع أخرى ظهرت في الحرب الحالية مثل، إس 40 وجيه 80 وار 160 وقسام 1 و2 و3، وإيه 120، عياش 250، إس أتش 85، وغيرها، وكذلك طائرات من دون طيار يمكنها الوصول إلى تل أبيب نفسها، ومعظمها تم تهريبها من أنفاق داخل قطاع غزة.

وبحسب التقرير، فإن “الجزء الأكبر من ترسانة حماس والجهاد الإسلامي يأتي من قدرة تصنيع ديناميكية ومتطورة نسبياً داخل قطاع غزة نفسه، ويعتقد خبراء إسرائيليون وخارجيون أن المعرفة والمساعدة الإيرانية لعبتا دوراً مهماً في بناء هذه الصناعة”، ومن الصعب تقدير مخزون صواريخ حماس، والدليل هو أن رشقة الصواريخ الأولى في عملية “طوفان الأقصى” تجاوزت الألف صاروخ، وفي نهاية اليوم الأول من الحرب وصلت إلى نحو خمسة آلاف صاروخ.

وبحسب مجلة “فوربس” الأمريكية، فإن حماس في الحرب الأخيرة مع إسرائيل في 2021، كانت تمتلك نحو 14،000 صاروخ، وكانت تطلق في اليوم الواحد من الحرب نحو 450 صاروخاً، وبعد انتهاء الحرب ووقف إطلاق النار، صرح مسؤول إسرائيلي حينها بأن حماس لا زالت تملك 8 آلاف صاروخ، ويقودنا الرقم السابق ومدى التطور الحاصل في عامين فقط منذ انتهاء عملية “حارس الأسوار”، حتى عملية “طوفان الأقصى”، إلى القدرات الصاروخية الحمساوية سواء من ناحية الكم أو الكيف، وسط عجز إسرائيلي عن وقف هذا التسليح، إن عن طريق غلق طرق التهريب إلى داخل القطاع، أو حتى تدمير مستودعات التصنيع داخل قطاع غزة.

ويشير تقرير “المونيتور” إلى أن حماس تنجح في الاستحواذ على الأسلحة المهربة من خلال رحلة تبدأ من إيران ثم إلى اليمن، وبعدها تصل إلى السودان عبر البحر الأحمر ثم تتجه الشاحنات من السودان إلى الصحراء في رحلة طولها ألف كيلومتر حتى تصل إلى مصر، وبعدها يتم نقل الأسلحة عبر الأنفاق المحفورة أسفل قطاع غزة وبمساعدة البدو.

وساهمت إيران بشكل كبير في توفير التصاميم والمعرفة التقنية لتصنيع الأسلحة داخل القطاع، فنجحت حماس في تصنيع صاروخ وصل مداه إلى 80 كيلومتراً، بحسب “وول ستريت جورنال” الأمريكية، وأكد جنرال إسرائيلي على أن تصاميم الصواريخ بالفعل إيرانية، لكن الصناعة تتم داخل قطاع غزة، مثل صاروخ بدر 3 وغيره، وفي عام 2019 وفي تقرير لمجلة “أسوشيتد برس”، إشارة إلى أن حماس نجحت في تطوير قدراتها الصاروخية برغم الحصار المفروض عليها من قبل إسرائيل.

خطة الخداع الإستراتيجي

يشير المتخصص في الشأن الإسرائيلي، فراس ياغي، لرصيف22، إلى أن “حماس وكتائب القسام وسرايا القدس وشهداء الأقصى وغيرها طوروا قدراتهم، وأوجدوا البدائل حتى مع التضييق على تهريب الأسلحة، فنجحوا في التصنيع، وتالياً أصبحت لديهم ترسانة عسكرية حقيقية متطورة، نوعاً وليس كماً فقط، واهتمت حماس بالجانب التكنولوجي في التسليح، وكذلك الجانب السيبراني، لتستطيع مواجهة إسرائيل”، ويلفت أيضاً إلى الدور الإيراني ودور حزب الله في مد الفصائل بالتكنولوجيا والأسلحة الحديثة.

ويتحدث عن “الخداع الإستراتيجي الذي نفّذته حركة حماس ضد إسرائيل التي زعمت أنها تعلم كل شيء عن تسليح حماس والمقاومة، من خلال أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، إلا أن حماس قلبت الطاولة على إسرائيل، فضللتها من خلال عملائها أنفسهم، ونقلت عبرهم معلومات مغلوطة تخصّ التسليح الحمساوي والتكنولوجيات المستخدمة، وأنها نجحت في ذلك بسبب الخبرات المتراكمة التي اكتسبتها من الحروب الستة الأخيرة التي خاضتها ضد إسرائيل، حتى مع التوقع الإسرائيلي بأن كتائب القسام لن تدخل معارك ضد إسرائيل بسبب الوضع المعيشي الصعب والظروف الاقتصادية داخل القطاع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى