الإمارات في عيدها الوطني الـ54: رحلة الاتحاد والطموح

بقلم| الدكتور/ أحمد حساني باحث في الشؤون الإقليمية والدولية.
في الثاني من ديسمبر من كل عام، تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بعيدها الوطني، الذي يُعرف رسمياً بـ”يوم الاتحاد”، إحياء لذكرى قيام الدولة في عام 1971. هذا اليوم ليس مجرد عطلة رسمية، بل هو لحظة فخر وطني عميق، تتجلى فيها الألوان الأربعة للعلم (الأحمر والأخضر والأبيض والأسود)، وتتزين فيها الشوارع والمباني والسيارات، وتُضاء الألعاب النارية سماء الدولة منى من رأس الخيمة إلى أبوظبي، ومن دبي إلى الفجيرة.
وفي تلك اللحظة التاريخية في الثاني من ديسمبر 1971، وقّع ست إمارات (أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة) على وثيقة الاتحاد في “بيت الضيافة” بدبي، وانضمت إليها لاحقاً رأس الخيمة في فبراير 1972 لتكتمل السبع. كان ذلك إنجازاً استثنائياً بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وإخوانهم الحكّام المؤسسين. في زمن كانت فيه معظم دول المنطقة تعاني الصراعات والانقسامات، اختارت الإمارات طريق الوحدة والتعاون، فتحولت من مجموعة إمارات صغيرة تعتمد على صيد اللؤلؤ والتجارة البحرية إلى دولة حديثة متماسكة.
-الإمارات العربية المتحدة قصة تحول استثنائي من الصحراء إلى مركز عالمي، تُعدّ واحدة من أبرز قصص النجاح في العصر الحديث. في أقل من ستة عقود فقط، تحولت من مجتمع بدوي يعتمد على صيد اللؤلؤ والتجارة البسيطة إلى دولة حديثة تتصدر مؤشرات التنافسية العالمية، وتُشكّل نموذجًا للتنمية السريعة والمستدامة. هذا التحول لم يكن صدفة، بل نتيجة رؤية طموحة، قيادة حكيمة، وتخطيط استراتيجي دقيق.
التحول الاقتصادي: من النفط إلى التنويع الشامل
قبل اكتشاف النفط في الستينيات، كانت اقتصادات إمارات الخليج تعتمد بشكل شبه كلي على صيد الأسماك واللؤلؤ والتجارة الساحلية. لكن مع بدء تصدير النفط من أبوظبي عام 1962، تغير كل شيء.
لكن الإمارات – وعلى رأسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – أدركت مبكرًا أن النفط مورد محدود، فبدأت منذ السبعينيات في بناء اقتصاد متنوع بعيدًا عن الاعتماد الكلي على الهيدروكربونات.
النتيجة اليوم مذهلة:
• دبي: أصبحت مركزًا عالميًا للتجارة والسياحة والخدمات المالية واللوجستيات، وتساهم إيرادات النفط بأقل من 1% من ناتجها المحلي.
• أبوظبي: حافظت على مكانتها كمنتج رئيسي للنفط، لكنها في الوقت نفسه طورت قطاعات الطاقة المتجددة، الذكاء الاصطناعي، الفضاء، والصناعات المتقدمة.
• الشارقة ورأس الخيمة وعجمان والفجيرة: ركزت على الصناعة، التعليم، السياحة البيئية، والموانئ.
حسب تقرير التنافسية العالمية 2024-2025 (المنتدى الاقتصادي العالمي)، تحتل الإمارات المرتبة 17 عالميًا (الأولى عربيًا)، كما احتلت المركز الأول عالميًا في أكثر من 200 مؤشر فرعي مثل: جودة البنية التحتية، كفاءة سوق العمل، الأمن، وسهولة ممارسة الأعمال.
أبرز المبادرات الاقتصادية الحديثة:
• رؤية الإمارات 2071: تهدف إلى جعل الدولة الأفضل عالميًا في كل المجالات.
• مئوية الإمارات 2071، وأجندة دبي الاقتصادية D33 (مضاعفة اقتصاد دبي بحلول 2033).
• استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031 (أول وزارة للذكاء الاصطناعي في العالم).
• مشروعات عملاقة مثل: ميناء جبل علي (أكبر ميناء صناعي في الشرق الأوسط)، مطار دبي الدولي (الأول عالميًا في عدد المسافرين الدوليين لسنوات)، مدينة مصدر (أول مدينة خالية من الكربون).
التطور الاجتماعي: من القبيلة إلى مجتمع متعدد الجنسيات متماسك
الإمارات اليوم موطن لأكثر من 200 جنسية، يشكل المواطنون أقل من 12% من السكان، ومع ذلك نجحت الدولة في بناء مجتمع متماسك يسوده التسامح والتعايش.
أبرز الإنجازات الاجتماعية:
• التعليم: ارتفع معدل محو الأمية من أقل من 30% في السبعينيات إلى أكثر من 98% اليوم. الإمارات ضمن أفضل 20 دولة عالميًا في جودة التعليم العالي، ولديها جامعات عالمية مثل جامعة الإمارات، خليفة، نيويورك أبوظبي، والسوربون أبوظبي.
• تمكين المرأة: الإمارات من أوائل الدول التي منحت المرأة حق التصويت والترشح (1971)، وتحتل اليوم المركز الأول عربيًا في مؤشر المساواة بين الجنسين. 66% من وظائف القطاع العام تشغلها النساء، و50% من مجلس الوزراء نساء، و34% من مجلس الاتحاد الوطني نساء.
• الصحة: متوسط عمر المتوقع ارتفع من 62 سنة في 1971 إلى 79 سنة اليوم. الإمارات من أوائل الدول التي نجحت في التصدي لجائحة كورونا بكفاءة عالية.
• التسامح: أنشأت وزارة للتسامح (2015)، وبنت بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي (يضم مسجدًا وكنيسة وكنيسًا يهوديًا)، وأصبحت وجهة عالمية للتعددية الثقافية.
التحديات والمستقبل
رغم الإنجازات الهائلة، تواجه الإمارات تحديات حقيقية:
• التحول من اقتصاد النفط إلى اقتصاد المعرفة (الهدف: أن تكون نسبة النفط أقل من 20% بحلول 2030-2040).
• تعزيز مشاركة المواطنين في القطاع الخاص (ظاهرة “التوطين”).
• مواجهة التغير المناخي (رغم أنها من أكبر منتجي النفط، فهي تستثمر بقوة في الطاقة المتجددة واستضافت COP28 عام 2023).
لكن الإمارات تثبت يومًا بعد يوم قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص. مشروعات مثل محطة براكة للطاقة النووية (أول محطة نووية سلمية في العالم العربي)، ومهمة الإمارات إلى المريخ (مسبار الأمل 2021)، واختيارها لاستضافة أول مدينة ذكية مستدامة بالكامل (مدينة مصدر)، كلها تؤكد أن الطموح لا حدود له.
وبعد احتفالات “عام الخمسين” الاستثنائية عام 2021، أطلقت الدولة رؤية “نحن الإمارات 2031”، ثم “مئوية الإمارات 2071” التي تهدف إلى أن تكون الإمارات أفضل دولة في العالم بحلول مئوية تأسيسها. وتحت قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، تستمر الدولة في كتابة فصول جديدة من الإنجاز.
وأخيرا ونحن نحتفل بالعيد الوطني الـ54، نتذكر أن سر نجاح هذه الدولة ليس فقط في البترول أو الأبراج الشاهقة، بل في الإنسان الإماراتي الذي يحمل في قلبه حب الوطن، والقيادة الحكيمة التي وضعت مصلحة الشعب فوق كل اعتبار، والتخطيط البعيد المدى، والانفتاح على العالم مع الحفاظ على الهوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى