إغلاق حكومة أمريكا.. فرص استثمارية وسط شلل فيدرالي

يتأهّب المستثمرون حول العالم لتداعيات أحدث إغلاق حكومي في الولايات المتحدة، بعدما فشل الكونغرس في التوصل إلى اتفاق لتمويل عمليات الحكومة.
تراجع الدولار بنسبة 0.2% أمام الين الياباني وانخفضت العقود الآجلة للأسهم الأميركية مع انقضاء المهلة المحددة للتمويل عند منتصف الليل، ما أدى إلى أول إغلاق حكومي في البلاد منذ نحو سبعة أعوام. وطلب مكتب الميزانية في البيت الأبيض من الوكالات الفيدرالية البدء بتنفيذ خطط تعليق جميع المهام غير الأساسية، ما يعطّل أعمال مئات الآلاف من الأميركيين ويربك العديد من الخدمات العام
ردود فعل السوق التي ظلّت محدودة جاءت متسقة مع ما أظهرته تجارب الإغلاقات السابقة التي سرعان ما كانت تنتهي بتسويات سياسية تجنّب الاقتصاد أضراراً طويلة الأمد. وقد اعتادت “وول ستريت” تجاهل مثل هذه الإغلاقات.
مخاوف من طول أمد الإغلاق
لكن الخلاف بين قادة الكونغرس يبدو محتدماً أكثر هذه المرة، ما يثير احتمال مواجهة مطوّلة قد تلحق ضرراً بالاقتصاد الأميركي الأكبر في العالم. وتتفاقم هذه المخاوف بفعل تلويح إدارة الرئيس دونالد ترمب بتنفيذ عمليات فصل جماعي للموظفين الفيدراليين بدلاً من وضعهم في إجازات غير مدفوعة، ما قد يرفع مطالبات إعانة البطالة في وقت تبدو سوق العمل هشّة أساساً.
وتتركز التداعيات الاقتصادية الأوسع على سوق العمل وتوقعات مسار أسعار الفائدة، إذ ستتوقف البيانات الحكومية، ما يعني غياب تقارير أساسية هذا الأسبوع مثل مطالبات البطالة وطلبات المصانع وتقرير التوظيف لشهر سبتمبر، وهي مؤشرات رئيسية تعتمد عليها “وول ستريت” لرسم توقعات النمو ومسار أسعار الفائدة.
وقال ستيف سوسنيك، كبير استراتيجيي الأسواق في “إنترآكتيف بروكرز” (Interactive Brokers) “قد يكون لهذا الإغلاق آثار أوسع من المعتاد لأن سقف المخاطر ارتفع كثيراً حتى قبل وقوعه”.
ويتعقد الوضع أكثر بما أن موجة الصعود الطويلة في سوق الأسهم دفعت التقييمات إلى مستويات تشبه تلك التي سبقت موجات تفاؤل مفرط في الماضي. ومع بقاء التقلبات منخفضة، واستعداد المتداولين لاقتناص مكاسب محتملة مع نهاية العام، فإن أي تراجع في الأسعار قد يطلق موجة بيع قسري تفاقم التراجع.
ماذا يراقب المستثمرون؟
إذا طال أمد الجمود السياسي، يرجّح محللون أن يواصل الذهب أداءه القوي كملاذ آمن، حتى بعد اقترابه من مستوى قياسي يلامس نحو 4000 دولار. ويُعزى جزء من هذا الصعود إلى تراجع الدولار، الذي غالباً ما تعرض للضغط خلال فترات الإغلاق الحكومي السابقة. ووفقاً لـ”بنك آي إن جي”، فإن مزيداً من الضعف في العملة الأميركية قد يعزز مكاسب الين الياباني، وربما اليورو أيضاً.
كما استفادت سندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل في إغلاقات سابقة، على خلفية رهانات على ضعف اقتصادي محتمل.
وكتبت مونيكا غيرا، رئيسة السياسات الأميركية في “مورغان ستانلي لإدارة الثروات”، في مذكرة الثلاثاء “مدفوعات الفائدة وخدمة الدين ليست مهددة. وبفضل العوائد المرتفعة، تظلّ سندات الخزانة الأميركية جذابة، ونوصي المستثمرين الحذرين من تداعيات الإغلاق الحكومي بزيادة انكشافهم عليها”
الدفاع
تواصل شركات الدفاع، مثل “رايثيون تكنولوجي” (RTX) و”ال 3 هاريس تكنولوجيز” (L3Harris Technologies) و”ايروفيرونمينت” (AeroVironment) تحقيق مكاسب قوية مدعومة بزيادة الإنفاق الفيدرالي على الذخائر والطائرات المسيّرة ومشاريع الدفاع الصاروخي، ما عزز الأرباح. وقد يؤدي الإغلاق الحكومي إلى تقليص الحماسة تجاه هذه الأسهم التي أغلقت جميعها على مستويات قياسية يوم الإثنين، وكذلك تجاه شركات مشابهة مثل “بوينغ” و”لوكهيد مارتن”.
وقال المحلل غوتام خانا من “تي دي كوين” للعملاء الأسبوع الماضي “لا نتوقع تأثيراً كبيراً على شركات الدفاع، لكن المعنويات قد تتراجع”.
رفعت “سي بورت غلوبال سيكيوريتيز” (Seaport Global Securities) تصنيفها لسهم “جنرال ديناميكس” (General Dynamics) من محايد إلى شراء هذا الأسبوع، معتبرة أن أي تراجع في السعر بسبب الإغلاق سيشكل فرصة للمستثمرين للدخول.
الخدمات الحكومية وشركات الطيران
قد لا تحقق شركات مثل “بوز ألين هاملتون” و”ليدوس هولدينغز” (Leidos Holdings) و”CACI إنترناشونال” (CACI International) التي توفّر خدمات استشارية وتقنية للحكومة نتائج جيدة في ظل الإغلاق. ووفقاً لتوبي سومر من “تروست” ( Truist)، فإن إيرادات هذه الشركات تراجعت في فترات الإغلاق السابقة، رغم أن الأثر كان محدوداً عادة، لكن أي إغلاق طويل قد ينعكس سلباً على الأرباح.
أما شركات الطيران، التي تعتمد على السفر المموّل من الحكومة لتأمين ما يصل إلى 2% من إيراداتها السنوية، فقد تتأثر بشكل أكبر. فالتوقف الطويل لهذا التدفق المالي سيضرّ بقطاع يعاني أساساً، والأسوأ أن آلاف الموظفين الفيدراليين الذين سيتوقف صرف رواتبهم المنتظمة قد يقلصون من إنفاقهم على السفر الترفيهي، وفقاً لما قالته شيلا كاهياوغلو من “جيفريز”.
في السابق، تراجعت أسهم كلا المجموعتين من الشركات قبيل الإغلاق، ثم تعافت خلال استمراره، بحسب كاهياوغلو. وقد هبط مؤشر “ستاندرد آند بورز 1500” لشركات الطيران بنسبة 1.9% يوم الثلاثاء، مسجّلاً أسوأ شهر له منذ مارس، في حين واجهت “CACI” وغيرها من شركات الخدمات تقلبات بسبب المخاوف من توجه أوسع لخفض الإنفاق الحكومي.
الأسهم الدورية
في هذه الحالة، يتوقف تأثير الإغلاق على مدى انعكاسه في أداء الاقتصاد. فإذا طال بما يكفي لإبطاء النمو ورفع معدلات البطالة، قد يضعف المعنويات في قطاعات مثل الصناعة والخدمات المالية، بحسب مات غيرتكن، كبير خبراء الاستراتيجيات الجيوسياسية في “بي سي إيه ريسيرتش” (BCA Research)، إذ تضم هذه القطاعات شركات ترتبط أرباحها بشكل وثيق بأداء الاقتصاد الأميركي.
وقال غيرتكن “إذا استمر الإغلاق لفترة طويلة، فقد يلفت الأنظار إلى كمّ المخاطر الموجودة”.
ارتفعت أسهم شركات صناعية عملاقة مثل “كاتربيلر” (Caterpillar) و”دير آند كو” (Deere & Co) منذ أدنى مستوياتها في أبريل، إلا أن القطاع لا يزال يواجه ضغوطاً من الرسوم الجمركية وتباطؤ النشاط الصناعي
أما أسهم الشركات المالية، من مصارف مثل “جيه بي مورغان تشيس” إلى مديري أصول مثل “أبولو غلوبال مانجمنت”، فقد شهدت تقلبات في وقت سابق من هذا العام على خلفية المخاوف بشأن قوة الاقتصاد. كما أن الشركات المرتبطة بصحة المستهلك، مثل “أفيرم هولدينغز” (Affirm Holdings) المتخصصة في التمويل السريع، هي أكثر عرضة للتذبذبات الحادة.
تقدّر بلومبرغ إيكونوميكس أن نحو 640 ألف موظف فيدرالي سيُحالون إلى إجازة قسرية خلال الإغلاق، ما قد يرفع معدل البطالة إلى 4.7%. وقد يظل هذا المعدل مرتفعاً حتى بعد انتهاء الإغلاق إذا مضى ترمب في تنفيذ تهديده بفصل بعض الموظفين بشكل دائم.
وأشار غيرتكن إلى أن المستثمرين الذين يتخوّفون من تراجع الأسهم الدورية قد يتجهون إلى قطاعات دفاعية في السوق، مثل الرعاية الصحية والمرافق العامة.
استعدوا للتقلبات
غالباً ما تتجاهل السوق الأوسع الخلافات المتعلقة بالموازنة، فبالكاد اهتز مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” في المتوسط خلال آخر 20 حالة إغلاق، وفقاً لبيانات جمعتها “تروست”. وبدورهم، يواصل المخضرمون في “وول ستريت” التمسّك بمراكزهم الاستثمارية في هذه المرحلة.
مع ذلك، يحتمل أن ترتفع التقلبات على المدى القصير، خصوصاً إذا تسببت تأخيرات البيانات في تعقيد التوقعات بشأن أسعار الفائدة، بحسب جنيفر تيمرمان من “معهد ويلز فارغو للاستثمار”.
ومن المرجح أن يؤجل “مكتب إحصاءات العمل” تقرير الوظائف المقرر صدوره يوم الجمعة، في حين قد يهدد استمرار الخلافات حول الموازنة صدور بيانات التضخم المقررة في 15 أكتوبر.
وبحسب “آر بي سي”، فإن تقارير الجهات الخاصة، مثل “معهد إدارة التوريد” الذي سيصدر بيانات التصنيع والخدمات في وقت لاحق من هذا الأسبوع، ستكتسب أهمية إضافية في ظل غياب البيانات الرسمية.
تجاهل مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” المخاوف يوم الثلاثاء وارتفع بنسبة 0.4%. لكن على المدى الطويل، فإن أي ضرر يصيب الاقتصاد قد يحدّ من زخم موجة صعود بدأت تظهر عليها بوادر التباطؤ.
وقال مارك مالك، الرئيس التنفيذي للاستثمار في “سيبرت فاينانشل” (Siebert Financial) “تواجه السوق صعوبة في إيجاد زخم عند هذه المستويات… من الصعب اعتبار ذلك أمراً إيجابياً بالنسبة للسوق”.