عملة عربية موحدة في مواجهة الدولار

مقال الكاتب الصحفي عبد المجيد الشوادفي بجريدة الأهرام اليوم

اتفاقية «بريتون وودز» التى اشتهر بها مؤتمر النقد الدولي، وانعقد فى غابات بريتون فى «نيوهامبشير» بالولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة من (1) إلى (22) يوليو عام 1944، ووقعها ممثلو «44 دولة» بعد ما وضعوا الخطط لاستقرار النظام المالى العالمي، وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية، وبموجب تلك الاتفاقية أصبح «الدولار» عملة التعامل الرسمية بين دول العالم، وتغطيته الورقية بمقابل من الذهب.

وخلال «فترة الستينيات» جرى استنزاف الاقتصاد الأمريكى فى حرب «فيتنام» بصورة دفعت الرئيس الفرنسى «شارل ديجول» إلى إطلاق تصريحات مشككة ضد الدولار الأمريكي.. وفى عام «1971» أرسلت «فرنسا» بارجة حربية ومعها تعليمات بسحب الذهب الفرنسى من «بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك»، ولكن الرئيس الأمريكى حينها «ريتشارد نيكسون» رفض وأعلن فى خطاب «تليفزيوني» أنه وجه سكرتير المالية باتخاذ إجراءات الدفاع عن «الدولار».

وكان هذا بمثابة تَصرف انفرادى من جانب الولايات المتحدة بإلغاء اتفاقية «بريتون وودز» وبداية عصر النقود الورقية غير المرتبطة بالذهب، وكانت الفكرة ضبط أسعار النفط «البترول» بالدولار وزيادة الطلب عليه، وفى ذلك الوقت كانت شركات البترول الكبرى على وشك الإفلاس وبحاجة لبيع المكتشف حديثًا فى خليجى المكسيك وآلاسكا، وهو ذو تكلفة استخراج باهظة، واقتضت الضرورة رفع سعر البترول «400» ضعف لبيع إنتاجهما بعد إحداث أزمة وإخفائها من السوق.

ولأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن صاحبة الاحتياطات النفطية الكبري، فقد أدخلت «المملكة العربية السعودية»، وجرى إبلاغ «إيران» التى تحتوى على احتياطات «نفط كبيرة».. وكانت البداية قيام الرئيس الأمريكى بإقناع الملك السعودى «فيصل» بقبول رفع سعر البترول بالدولار فقط، وشراء سندات خزانة أمريكية بفوائض أرباح «النفط» ثم جاءت «حرب أكتوبر» ضَرْبًا لعصفورين بحجر واحد، فمن الناحية الأولى تحقق للشعب المصرى ما كان يسعى إليه للثأر من الهزيمة التى لحقت به فى يونيو عام 1967، وذلك بإنجاز عبور قناة السويس فى أول أيام تلك الحرب، والتى كانت من الناحية الأخرى ذريعة جيدة منع بها «ملك السعودية فيصل» البترول عن الدول الغربية، حتى يتم «تعطيش» السوق للسلعة باستحداث أزمة عُرفت باسم «صدمة النفط»، وذلك تمهيدًا لقبول المواطن الغربى والأمريكى برفع أسعار البترول، الذى توقفت حياته شهورا دون استخدامه.

وكانت تلك الصدمة، ووقوف المواطنين الغربيين طوابير أمام محطات البنزين، وقيام الصحف الأوروبية بإلقاء الأمر كله على حكام دول الخليج، هو بطاقة المرور الآمنة لرفع سعر البترول فى الغرب دون مشكلات، وذلك لأن الحكومات الغربية هى التى رفعت سعره، وأصبح المواطن مُستعدًا نفسيًا لشرائه بأى سعر، وعلى الدول المستوردة أن تقترض بـ «الدولار» من بنوك أمريكا لتشترى البترول بسعره الجديد «400» ضعف القديم من دول «الأوبك» التى لم تكن تقبل أى عملة غير «الدولار»، حتى لو كانت من الدول العربية، وبذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تدفع شيئًا عمليًا وتستمر عملتها فى الثبات والارتفاع والزيادة فى أرصدة الأموال لديها.

وهكذا تم إنشاء طلب لا ينتهى على الدولار، وأصبح «يتوالد» دولارات، وعاد سعره للارتفاع من جديد، وليصبح أقوى عملة فى العالم دون أن يرتبط بالذهب.. ويبقى التساؤل: لماذا لا تتوافق الدول العربية على إقرار عملة موحدة للتعامل بها مع دول الغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى