هيكل: كيف اخترق الحصار؟

خرج هيكل من السجن ليقرأ ما كتب عنه فى الصحف المصرية والعالمية وقال إنه لم يستطع أن يتحكم فى مشاعر الألم مما كتبه عنه بعض أصدقائه وزملائه وتلاميذه بعد القبض عليه، وفى حديث مع مفيد فوزى فى صباح الخير (١٤ يناير ١٩٨٢) قال: أنا مجروح من المهنة، صحافة العالم وقفت معى فيما عدا الصحافة المصرية، وبدأت أسمع أعذارًا، من يقول كان مضغوطًا علينا وكنا مضطرين وانت عارف الظروف.. وطويت هذه الصفحة.
فى اليوم التالى للإفراج عن هيكل ومجموعته جاء فى الأهرام تحت عنوان «كلمة للأهرام»: إن التاريخ سوف يذكر الخامس والعشرين من نوفمبر ١٩٨١ بوصفه اليوم الذى شهد ميلاد حدث سياسى خطير أعطى انطباعًا للعالم بأن مصر بخير وأن الديمقراطية فى مصر هى حق وصدق وأنه – على حد قول الرئيس مبارك – لن يكون هناك باب مغلق أو حظر على المفكرين وأصحاب الرأى، ولا شك أن قرار الإفراج عن المعتقلين السياسيين هو قرار الشعب أولا قبل أن يكون قرار القيادة السياسية، وفى ٢٨ نوفمبر كتب الأستاذ إبراهيم نافع: «أثرّ قرار مبارك بالإفراج عن السياسيين على الصورة المشوهة لمصر فى الخارج فهؤلاء السياسيون أرادوا استخدام حق الكلمة والديمقراطية وفرق بينهم وبين من استخدموا ديمقراطية القنابل والرشاشات».
ونشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مقالًا عن أثر إبعاد هيكل عن الأهرام وقالت إن السادات يمكنه أن يحكم بدون هيكل، ولكنه يحكم أفضل وهيكل معه.
وكان السؤال: هل سيفقد هيكل مكانته على القمة وهو خارج الأهرام كما كان متوقعًا. وجاءت الإجابة عمليًا. تفرغ هيكل لتأليف عدد من الكتب صدرت فى سبع عشرة لغة تحول بها من صحفى إلى مؤرخ، وانتشر فى الصحافة العالمية يدلى بأحاديث ويكتب مقالات، ويدعى لإلقاء محاضرات فى عواصم أوروبية.
كان هيكل يتقاضى من الأهرام خمسة آلاف جنيه فى السنة باعتباره رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير وكاتب مقال بصراحة الأسبوعى. وكان هذا المبلغ بالقانون هو الحد الأقصى للمرتبات فى ذلك الوقت. وبعد أن خرج من الأهرام حصل من صحيفة الصنداى تليجراف على مائة ألف جنيه إسترلينى عن حقوق نشر كتابه الأول «وثائق القاهرة»، وباعت الصنداى تليجراف حقوق النشر إلى واحد وعشرين ناشرًا فى العالم وربحت ٣٠٠ ألف جنية إسترلينى فوق ما فعلته، وهذا ما أعلنته فى حساباتها الرسمية. ثم صدر كتابه الثانى «الطريق إلى رمضان»، ونشرته دار كولينز البريطانية، واشترت صحيفة التايمز البريطانية حق النشر وترجم الكتاب إلى ٢٢ لغة، ونفس الشىء حدث لكتابه الثالث «أبوالهول والقوميسير»، وتوالت الكتب إلى كتابه الخامس عن الثورة الإسلامية فى إيران، ونشرت صحيفة الصنداى تايمز فصوله على حلقات فى الصفحة الأولى، وكذلك نشرته صحيفة التايمز على حلقات يوميًا فى صفحة كاملة. وطلب منه وزير الخارجية الأمريكى أن يتوسط فى قضية الرهائن الأمريكيين فى إيران وتسبب ذلك فى أزمة جديدة مع الرئيس السادات. وبدأت حملة جديدة عليه فى الصحف المصرية. وجاء كتابه السادس «خريف الغضب» ثم السابع عن حرب الثلاثين سنة. وتوالت بعد ذلك الكتب حتى بلغت ١٤ كتابًا ترجمت إلى لغات العالم.
وجاءت مفاجأة أخرجته من العزلة التى كانت مفروضة عليه فى مصر، ففى ديسمبر ١٩٨٧ دعاه الدكتور على الدين هلال، رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فى ذلك الوقت لإلقاء محاضرة فى الكلية كان عنوانها «هواجس مستقبلية» قال فيها «يجب إدراك الحقيقة وهى أن الأمة ليست مهزومة، ويجب وضع أولويات للعمل العربى، ويجب على النخبة وضع خريطة تحدد المتغيرات التى حدثت فى مصر والأمة العربية فى أحوالها الاجتماعية والمكانية والاقتصادية وما حدث فى التركيب الطبقى، وعلى المثقفين مهمة تبصير الأمة وصانعى القرار، وعلى مراكز البحث فى المستقبل الاستراتيجى أن توحد جهودها خصوصا ونحن نعلم أن هناك محاولات لاختراق ومحاولات للهدم المنظم للكفاءات ومحاولات للتسلل».
وفى هذه المرحلة نشر مئات المقالات فى مصر وفى الدول العربية وفى أوربا وتعددت محاضراته ولقاءاته الصحفية ولم يستطع أحد أن يوقفه عن إعلان آرائه.. وقدم رؤية متكاملة للإصلاح مازالت صالحة حتى الآن قد أجد فرصة لعرضها، فقد تكون مناسبة لظروفنا فى الوقت الحالى.