الدكتور زقزوق وتجديد ابن رشد

كان الدكتور حمدى زقزوق وزير الأوقاف الأسبق عميدا لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وعضو هيئة كبار العلماء، يخوض المعارك مع الفكر المتخلف والخرافات التى تنتشر بين العامة، كما كان من المدافعين عن العقل والحرية الإنسانية وتصدى للتيار المعادى للاجتهاد وللحرية الدينية والحرية الفكرية، وله إسهامات كبيرة فى مجال التجديد الدينى.
استمر الدكتور زقزوق وزيرا للأوقاف خمسة عشر عاما طاف خلالها بمدن مصر من الشمال إلى الجنوب والتقى كل من يعمل فى مجال الدعوة الدينية، وشارك فى عشرات المؤتمرات فى مصر والدول العربية والإسلامية، وفى أوروبا كان موضع احترام كبير من المنظمات والجامعات الأوروبية باعتباره أهم ممثل لتيار العقل الذى أسس له ابن رشد فى الأندلس، وفى مؤلفاته دفاع قوى عن العلم وضرورة غرس الإيمان بالعلم فى نفوس المسلمين بدلا من الاستسلام للأساطير وتؤكد أن الدين والعلم يتكاملان، وأنه لا نهضة للمسلمين دون تحقيق تقدم ملموس فى مجال العلوم الحديثة – كان يحارب الأمية الدينية التى تؤمن بأفكار خاطئة فى الدين وفى الحياة، ويقول إن العقل والعلم هما جناحا الحياة الحديثة، وكان ينبه إلى خطورة ما كان يسميه «الاجترار الثقافى» باستعادة الأفكار القديمة التى كان يؤمن بها السلف الصالح وجاوزها الزمن مع التقدم العلمى والحضارى الذى تحقق منذ بدايات الفكر الإسلامى على مدى أربعة عشر قرنا – وينبه إلى خطورة الدعاة غير المؤهلين الذين يجترون ما قاله القدماء ويقدمونه للناس بأسلوب جديد مما أدى إلى تحجر وجمود العقول وعدم قدرتها على الإبداع والتجديد.
كان يرى أن مشكلة العالم الإسلامى أنه يعيش أسيرا للماضى، ويظهر فيه تيار مؤثر يدعو إلى أن يعيش المسلمون اليوم كما كان المسلمون يعيشون منذ قرون وكأن الزمن توقف عند مرحلة بعينها ولم يتقدم، وهؤلاء يجدون الفرصة لنشر أفكارهم ويرددون أقوال فقهاء من القرون الماضية لم تكن لديهم إلا ثقافة محدودة بينما يعيش العالم اليوم فى عصر مختلف تتجدد فيه العلوم ويكتشف فيه العلماء كل يوم ما لم يكن يخطر على بال الأجيال السابقة، نحن اليوم فى عصر الذرة والفيمتوثانية والصعود إلى الكواكب والنجوم البعيدة والروبوت بينما يظهر عندنا من يفتى بتحريم بعض الوظائف على المرأة دون مراعاة ما تحقق للمرأة فى العصر الحديث من تقدم علمى وعقلى، ووصولها إلى درجة تتساوى فيها مع الرجل فى الكفاءة، وقد أثبتت قدرتها وزيرة ورئيسة مؤسسة أو بنك وعالمة متخصصة فى علوم دقيقة تكتشف فيها حقائق يتحدث عنها العالم.
كان يقول إن «الاجتهاد» فى عصرنا الحاضر فريضة على علماء الدين المؤهلين علميا لهذه المهمة، ولابد أولا من أن يعيش رجل الدين فى زماننا الحاضر ولا يحبس نفسه فى الماضى ويظن أن الماضى هو الزمن الجميل الذى يستحق أن نستعيده ومن مشاكلنا أن هناك من يقدمون أنفسهم للناس على أنهم دعاة وعلماء دين وهم فى الحقيقة يضللون الناس ويفسدون عقيدتهم، ومهمة الأزهر ووزارة الأوقاف كشف حقيقة هؤلاء وتصحيح المفاهيم حفاظا على هوية الإسلام ونقائه، وتوضيح المفهوم الصحيح للسلفية بعد أن ابتذل هذا اللفظ وأصبح شعارا للمتنطعين والمتمسكين بالمظهر دون الجوهر وأصبح شعارا لغزو أفكار رجعية متزمتة، والسلفية الحقيقية بعيدة عن هذه الافكار والممارسات التى يتمسكون بها.
يقول الدكتور زقزوق كيف غاب عن أذهان البعض أن الإسلام كان الدافع للمسلمين لبناء حضارة مزدهرة قدمت للإنسانية خلال قروق طويلة عطاء حضاريا كان من أقوى العوامل للنهضة الأوروبية. وهؤلاء الدعاة الأدعياء أعطوا الفرصة لتشويه صورة الإسلام فى الغرب، وليس فى عالم اليوم دين من الأديان يتعرض لمثل ما يتعرض له الإسلام فى الإعلام الدولى من ظلم وافتراءات. ولابد أن يوضح علماء الدين الخلط الذى حدث بين الإسلام كدين وبعض التصرفات الحمقاء التى تصدر من بعض أبناء المسلمين باسم الدين والدين منها برىء.
والإسلام هو الدين الذى أعلى قيمة للعقل وجعله أساس التكليف والمسئولية، والقرآن يخاطب العقول ويدعوها للتفكير فى الكون ودراسته، ومن يتخلى عن استخدام عقله فإنه يتخلى عن إنسانيته، وعدم استعمال العقل يعتبر ذنبا من الذنوب ولذلك يقول الكفار يوم القيامة «وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير».. [الملك 10] وفى الإسلام الكون كله مجال للعقل الإنسانى للبحث دون حجر على عقل أو مصادرة لفكر طالما كان ذلك من أجل خير الإنسان.