العمليات العسكرية بغزة.. مسميات “دينية أسطورية” وإنجازات “وهمية”

منذ بدء حرب الإبادة على غزة، والتي قاربت على العامين، تُطلق “إسرائيل” عمليات عسكري جديدة بين شهر وآخر، بمسميات بعضها عسكري ومعظمه توراتي وأسطوري، لأسباب وأهداف سياسية بحتة، دون أن يكون لتلك العمليات “الأسطورية” نصيبًا من اسمها.
وعلى الرغم من تعدد أسماء العمليات العسكرية التي ينفذها جيش الاحتلال في قطاع غزة، إلا أنها لا توحي بانتقال هذا الجيش من مرحلة لمرحلة، بل إنه يقف مكانه ويمارس ذات الممارسات، وفق خبير بالشأن السياسي.
ومن أسماء العمليات العسكرية التي أطلقتها “إسرائيل” في قطاع غزة منذ أكتوبر عام 2023، السيوف الحديدية (2023)، “ميركفوت جدعون”، 2024، “الأسد الصاعد” 2025 وهي لعمليتها الأخيرة ضد إيران، ومن قبل ذلك، شنت عشرات العمليات بمسميات دينية وأسطورية.
مسميات دينية لأهداف سياسية
ويقول المختص بالشأن السياسي والاسرائيلي نهاد أبو غوش، إن معظم العمليات العسكرية الإسرائيلي ضد غزة مستوحاه من التوراة، وبالطبع التوراة في الكتب الدينية اليهودية ليست جميعها منسوبة للأنبياء أو كتاب الله، بل هي روايات يقصها رواة وكثير منها منسوب لما يسمى أنبياء “إسرائيل”، وهم من لديهم رؤية أو نبوءة وكأنهم أولياء صالحين بالمعنى المعروف لدينا.
ويضيف “لذلك الأنبياء عندهم كُثر، وهذه القصص هي حكايات شعبي صيغت عبر الأجيال والتاريخ وزيد عليها هنا وهناك وبالتالي كثير منها ذو طابع أسلوبي بحت، وهي تشبه الأساطير البابلية أو الإغريقيّة، ولذلك فإن الأسماء التي تطلق على العمليات العسكرية مستوحاه من هذه القصص والروايات لأكثر من سبب”.
ومن بين أسباب إطلاق مثل هذه الأسماء على العلميات العسكرية، هو لإضفاء طابع البطولة والجانب المعنوي والاعتباري والوجداني على هذه العمليات.
ويكمل أبو غوش “أن هذا يأتي بالرغم من أن معظم القائمين على إسرائيل غير متدينين ولا يطبقون شعائر الأديان، ولكن بالنسبة لهم اليهودية هوية قومية، ولذلك هم يستلهمون قصص وأساطير التوراه لإضفاء طابع معنوي للعمليات”.
ويشير إلى أن وجود نسبة كبيرة في الائتلاف الحاكم الاسرائيلي من الحريديم أو الصهيونية الدينية، هو سبب لتسميه العمليات بأسماء دينية، كجزء من محاولة إيجاد إجماع قومي وشعبي حول أهداف هذه الحروب.
ولكن عن نجاعة عمليات جيش الاحتلال بغزة ونصيبها من أسماءها، فيُجزم أبو غوش، أن معظمها غير فعالة ولا ناجحة، بل ولها سلبيات وتكبدت فيها “إسرائيل” خسائر فادحة جدًا.
ومن وجهة نظره، فإن هذه العمليات ظهرت فيها “إسرائيل” كم هي منكشفة، ومنها عمليتها الأخيرة في حربها ضد إيران والتي ظهر فيها مدى اعتمادها على الدعم الأمريكي.
ويشير إلى أن دراسات متخصصة كشفت مؤخرًا أن كل العمليات العسكرية التي تقوم فيها “إسرائيل”، سواء ضد غزة أو لبنان أو إيران، غالبيتها تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتغطيتها تمويلًا وسلاحًا وسياسيًا.
وبالتالي -يستنتج أبو غوش- هذا يؤكد أن “إسرائيل” أداة ضاربة بيد التحالف الاستعماري الغربي، ولا تخوض هذه الحروب بالوكالة عن نفسها بل تقوم بما تقوم به، نيابة عن الغرب.
ويستشهد بتصريحات المستشار الألماني “ميرس” مؤخرًا والتي قال فيها “إن إسرائيل تقوم بالعمل القذر نيابة عنا جميعًا”، وهذا فيه نوع من إعطاء الشرعية الأوروبية للعمليات العسكرية الاسرائيلية سواء على غزة أو إيران، وفق أبو غوش.
انتقال وهمي
وفي السياق، يفيد أبو غوش بأن “التسميات التي تطلق على العمليات العسكرية، فيها نوع من الخداع للجمهور، ويوحي فيها المستوى والجيش أنهم ينتقلون من طور إلى طور ومن مرحلة إلى مرحلة”.
ويستدرك “ولكن في الحقيقة الحرب بغزة، ما زالت كما هي وأدوارها كما هي قتل وتجويع وحصار واستباحة كل شيء وتدمير كل شيء”.
ويستشف من خطط وعمليات “إسرائيل”، أن جميعها تعمل على تهجير الفلسطينيين، وكما قال رئيس حكومة الاحتلال “بنيامين نتنياهو”، إنهم يعملون على تنفيذ رؤية الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”.
ولذلك فإن “الانتقال من طور لطور ومن عملية لعملية لا يعكس أي إنجازات، ولا حتى سياسية، وعلى العكس تماماً فمؤشر الخسائر الفادحة التي تتكبدها إسرائيل في المواجهة بغزة كبيرة”.
ويستشهد بالقول “إنه منذ 18 مارس سقط أكثر من 40 قتيلًا من الجيش، وهذا العدد أكثر من الأسرى الذين يزعمون أنهم يريدون تحريريهم”.
“وبالتالي هي معركة متعددة الأبعاد، فهي أصلاً معركة نتنياهو للبقاء في السلطة، ومعركة اليمين المتطرف لرسم مستقبل إسرائيل الكبرى على حساب كل الوجود الفلسطيني، ومعركة الانتقام لدى كل التيارات بما فيها من يقف بالمعارضة، ضد الشعب الفلسطيني”.
ويشدد على أن تسميات العمليات ليست سوى عنوان لذات ونفس عمليات الاستباحة لمراكز الإيواء والمدراس والمشافي والتجويع والتجويع، مع زيادة في وتيرتها كأداة ضغط لمحاولة انتزاع تنازلات فلسطينية في المفاوضات.
خاضعة للرقابة وموجهة
وفي ذات الوقت، فإنه وبعد تجربة طويلة حول كل من ينشره الجيش الاسرائيلي، واضح أنه خاضع للرقابة وموجه وجزء من الحرب النفسية، لتفادي حالة من الذعر واهتزاز ثقة المجهور الاسراءيلي فيه، ولعدم دفع المقاومة والشعب الفلسطيني وبجدوى المقاومة، يقول أبو غوش.
ويستدل على ذلك، بتأثير الضربات الإيرانية، والتي تدل كل المؤشرات على أنها نجحت في إصابة خمس قواعد عسكرية إسرائيلية بشكل دقيق، ولكن الجيش لم يعترف بهذه النتائج.
ويوضح أن الناطق العسكري والجيش الإسرائيلي، لا يعترفون بالخسائر، إلا بعد مرور 24 ساعة وفي وقت متأخر ،وأحيانًا يجري توقيت الإعلان بما يتناسب مع اللحظة السياسية، حتى لا يعكروا الاحتفال بإنجاز سياسي هنا أو هناك أويعطلوا على زيارة لـ”نتنياهو” أو خطة معينة.
كما يخفي جيش الاحتلال في عملياته جميعها، الإعلان عن خسائر بمقتل جنود معينيين، ليس لهم عائلات أو ينتسبون لبعض الأقليات العرقية، لأن ذلك بالنسبة لهم يُعد فضيحة اجتماعية، كما يفيد أبو غوش.
معارضة الجيش لها
وفي السياق، يؤكد أنه وفي معظم العمليات العسكرية، يتحفظ جيش الاحتلال على سير هذه العمليات بغزة، ويرفضها، ويعارض بعض التوجيهات لأنها أولًا تصدر عن مرجعيات وقيادات متهورة وهدفها سياسي أكثر ما هو عسكري، وثانيًا لأن هذه العمليات ستحول من طبيعة الجيش الإسرائيلي، الذي يتباهى بأنه متفوق تكنولوجيا وجويًا واستخباراتيًا، إلى نوع من الدرك الذي يلاحق الأسر النازحة ويتولى توزيع مساعدات وتفريق متجمعين للحصول عليها، وهي مهام لا تتناسب معه، بحسبه.
وبدعم أمريكي، ترتكب “إسرائيل” منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 58,026 شهيدًا و138,520 إصابة معظمهم أطفال ونساء، بالإضافة لما يزيد عن 14 ألف مفقود تحت الأنقاض.