ماسك بطلب اللجوء السياسي إلى روسيا

هل نحن أمام هروب تقني من قبضة واشنطن؟ أم أمام مناورة عبقرية في لعبة الأمم؟
فارس العمري
في خطوة مفاجئة هزّت الأوساط السياسية والإعلامية، تقدّم رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك بطلب لجوء سياسي إلى روسيا. خبر أكده الكرملين رسميًا، وأثار تساؤلات لا تنتهي: هل نحن أمام هروب تقني من قبضة واشنطن؟ أم أمام مناورة عبقرية في لعبة الأمم؟مجلس الدوما الروسي أعلن أن وزارة الخارجية تلقت طلبًا رسميًا من ماسك للجوء السياسي، وأنه سيُبت فيه خلال ثلاثين يومًا. أحد النواب الروس صرّح قائلًا: “سننظر في وضعه كلاجئ سياسي، ثم نقرر منحه الجنسية الروسية.”
لماذا يطلب ماسك اللجوء السياسي؟ الاحتمالات متعددة: يواجه تحقيقات فيدرالية قد تهدد مستقبله القانوني. يتعرض لضغوط سياسية وإعلامية تتهمه بتسريب معلومات أو التعاون مع جهات أجنبية. ربما يسعى للتخلص من الهيمنة الأمريكية على مشاريعه. أو لعلّها مجرد مناورة محسوبة في لحظة حرجة.
أما اختيار روسيا تحديدًا، فليس عبثًا. موسكو تدرك الرمزية الضخمة التي تحملها مثل هذه الخطوة: استقبال شخصية مثل إيلون ماسك لا يعني فقط كسب عقل تقني لامع، بل توجيه صفعة دعائية مدوية لواشنطن، وتقديم صورة رمزية على أن “أيقونة وادي السيليكون” وجدت الأمان في أحضان الكرملين.
هذه الخطوة قد تقلب صورة ماسك رأسًا على عقب: من رائد في مجال الفضاء والطاقة إلى لاجئ سياسي مطارد. من قائد مشروع استعمار المريخ إلى شخصية تقيم في روسيا الاتحادية. من عبقري الاقتصاد الرقمي إلى هدف للسخرية وربما العزلة في الغرب. لكن بالمقابل، قد يكسب دعمًا من فئات ترى فيه رمزًا للتحرر من سلطة المؤسسات الأمريكية التقليدية.الحدث لا يمكن فصله عن السياق الانتخابي الأمريكي. البلاد تعيش لحظة استقطاب سياسي حاد بين الجمهوريين والديمقراطيين، ووجود شخصية مثل ماسك، تملك منصة “إكس” وملايين المتابعين، يجعل منه لاعبًا خطيرًا على توازن القوى. طلبه اللجوء قد يكون جزءًا من هذا الصراع، أو نتيجة له.
من زاوية جيوسياسية، تحمل هذه الخطوة دلالات كبيرة. روسيا، من خلال استقبال شخصية بحجم ماسك، تبعث برسالة واضحة: “حتى رموز التقنية الأمريكية مستعدون للفرار من بلدهم.” وأمريكا، إذا ثبت هذا الخبر، ستبدو في موقف محرج أمام حلفائها والرأي العام العالمي، كدولة لا يشعر حتى كبار عقولها بالأمان فيها.
هل سبق أن لجأ أمريكيون بارزون إلى روسيا؟ نعم، ولكن السياق مختلف. في عام 2013، لجأ إدوارد سنودن، الموظف السابق في وكالة الأمن القومي، إلى روسيا بعد كشفه عن برامج التجسس الأمريكية. جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس، لجأ إلى سفارة الإكوادور بلندن لسنوات، هربًا من الملاحقات الأمريكية. لكن ماسك ليس موظفًا في الاستخبارات ولا ناشطًا إعلاميًا… بل ملياردير يملك نفوذًا تجاريًا وتكنولوجيًا عالميًا. وهذا يجعل قضيته سابقة فريدة.
في حال قبول طلبه، الأسئلة كثيرة ومقلقة: هل ستسحب واشنطن العقود الحكومية من شركاته، خصوصًا “سبيس إكس” و”ستارلينك”؟ هل سيُمنع من العمل في الأسواق الغربية؟ هل تتحول منصته “إكس” إلى منصة ناطقة باسم روسيا؟ وهل قد تلحق به شخصيات أخرى تشعر بالتهديد داخل الولايات المتحدة؟
حتى الآن، لم يصدر أي تصريح رسمي من ماسك نفسه يؤكد أو ينفي الخبر. لكن في عالم تتغير فيه المعادلات الرقمية والسياسية بسرعة، قد يكون هذا الطلب مقدمة لانفجار صراع جديد، عنوانه: “من يملك العقول؟ ومن يحميهم؟” ختامًا، تبقى التساؤلات مفتوحة: هل ماسك جاد فعلًا في طلب اللجوء السياسي؟ أم أنها ورقة ضغط يستخدمها ببراعة لتحقيق مكاسب معينة؟ وهل بات العالم مستعدًا لتقبّل حقيقة أن أحد أعظم العقول التقنية قد أصبح لاجئًا سياسيًا؟ السؤال الأهم: من التالي؟