الإسلام والدولة المدنية «1»

ـ كان الدكتورعبد المعطى بيومى عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، وعميد كلية أصول الدين، ورئيس تحرير مجلة الأزهر ومجلة منبر الإسلام .. كان من كبار الدعاة إلى التجديد فى الفكر الإسلامي، ويذكر له أنه رفض عضوية الجمعية التأسيسية الأولى التى سيطر عليها الإخوان، والسلفيون وقال إنها باطلة، وتصدى للدعاة الذين نشروا الفكر الأصولى أيام حكم الإخوان، وفرضوا القيود على المسلمين بما لم يرد فى الكتاب أو السنة، وقالوا إن نظام الخلافة أصل من أصول الإسلام وليس من الفروع وفى ذلك تضليل وادعاء ليس له سند فى الكتاب والسنة، والقرآن ترك للناس أن يختاروا نظام الحكم الذى يناسب كل عصر، ويحقق لهم الأمن والعدل والحرية، والفرق التى روجت لفكرة الخلافة هدفها أن تبقى فى الحكم دون مدة معينة، ومن يقفز إلى السلطة لا يتركها ويظل باقيا فيها إلى أن يموت.
ـ وهذا ما جعل الخلفاء فى التاريخ نماذج للديكتاتورية والإستبداد والفساد إلا الخلفاء الراشدون وعمر بن عبد العزيز ممن لا يقاس عليهم، وقالوا إن النقاب فريضة على كل امرأة مسلمة، وأثبت بالدليل الشرعى والتاريخى أن النقاب لم يرد فى القرآن أو السنة، وتصدى للفتاوى الغريبة التى انتشرت، كما تصدى للجمود فى الفكر السلفى ودعا السلفيين إلى أن يتفهموا طبيعة الحياة الإنسانية المتغيرة، مما يلزم بتغير الفتوى مع تغير الظروف والأحوال وتغير مصالح الناس.
ـ وعندما سيطر الإخوان على الحكم ظهر دعاتهم فى التلفزيون ليقولوا إن الحاكم من اختيار الله وليس من اختيار البشر، وإن الخروج على الحاكم كفر بالله ورفض لإرادته مما يستلزم إقامة الحد على الخارجين على الحاكم..
ـ وكان هو الصوت العالى الذى تصدى لهذا الباطل وقال إن الإسلام لا يعرف الحاكم الذى يصل إلى الحكم بناء على حق الهي، ولا يعرف للحاكم شرعية دينية أو قدسية، والحكم الإسلامى الرشيد يكون بالإنتخابات الحرة وبإرادة جموع الناس يكون اختيار الحاكم أو عزله، ولا شرعية للحاكم إلا بإرادة الناس، والإسلام يفصل بوضوح بين ما هو دينى وما دنيوي، ويرفض بوضوح أن تتحكم السلطة الدينية فى أمور الحياة الدنيوية.
ـ كما يرفض أن تتحكم السلطة الدنيوية فى أمور الدين، ولذلك يحرص الإسلام على تحقيق التوازن والإستقرار فى المجتمع، وهذا ما قصد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال «إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه، وإذا أمرتكم بشيء من رأيى فإنما أنا بشر «وقوله» أنتم أعلم بشئون دنياكم». وهذا ما جعل المسلمين يؤسسون فهمهم الدينى فى أمور الدنيا على أن المشقة تجلب التيسير، وأنه لا ضرر ولا ضرار، وأن كل ما يخرج عن العدل أو الرحمة أو المصلحة أو الحكمة أو العقل ليس من الشريعة ..
ـ ولهذا نجد عمر بن الخطاب يؤسس للدولة المدنية، ووضع فقها مدنيا وجنائيا ودستوريا ونجد الإمام أبا حنيفة فى مذهبه صاحب فقه الدولة المدنية القائم على الرأى وحرية البشر فى التشريع .. والفهم الصحيح للإسلام يقوم على الفصل بين أمور الدين وبين ما فى حياة الناس من أمور السياسة والحكم أو الإقتصاد أو إدارة الدولة.
ـ والرسول صلى الله عليه وسلم استمد سلطته حاكما من بيعة أهل المدينة له، وبايعه أهل الكتاب حاكما ولم يبايعوه نبيا.. ولم يحدث الانحراف إلا عندما ادعى معاوية أن حكمه بقدر الله وإرادته وترتبت على ذلك تأويلات وأخطار جسيمة.
ـ وقد ذهب الناس إلى الحسن البصرى يشكون من أن الولاة يعتبرون الخلافة أو السلطة أو الولاية حقا إلهيا، ويحتجون بأن ذلك قدر الله وينزعون حق الناس فى حرية الإرادة، مما يجعلهم يسفكون الدماء ويغتصبون حقوق الناس ويقولون هذا قدر الله، فقال الحسن البصري: كذب أعداء الله! وهكذا فإن فكرة «الحاكمية لله» هى حيلة للتذرع بالدين فى السياسة، وهى كما قال الإمام على كرم الله وجهه «كلمة حق يراد بها باطل». فالحكم قائم على عقد اجتماعى وليس حقا إلهيا.
ـ ليس فى الإسلام نظام محدد للحكم، وكل ما يسعى إليه الإسلام هو أن يكون نظام الحكم محققا الحرية والعدالة، واختيار المساعدين مسئولية يحاسب الله الحاكم عليها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «من ولى أمر المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح منه للمسلمين فقد خان الله ورسوله وقد باء بسخط الله».
ـ والإسلام يتفق مع المفاهيم الحديثة للدولة، فيقرر أن الأمة مصدر السلطة، ويقرر مبدأ الفصل بين السلطات، وفى التاريخ الإسلامى فترات انحرف فيها الفكر واستبد الحاكم بالسلطة وأضافوا إلى الإسلام ما ليس فيه، وحذفوا منه ما هو من صميمه، وهذه الفترات ليست حجة على الإسلام ولكنها إدانة للمستبدين من الحكام لخروجهم على صحيح الإسلام.. وهذه الفترات لا تمثل روح الإسلام، وكل حكم لا يحقق العدل والحرية لا يمثل الإسلام.
ـ يقول الدكتور السنهورى (أبو الدساتير العربية) إن مفكرى الإسلام أدركوا أن الحاكم يستمد سلطانه من الأمة وهو يحكم نائبا عن الأمة نتيجة تعاقد حر بينهما، وهذا ما نراه بعد ذلك عند جان جاك روسو فى نظرية العقد الاجتماعي.

rmelbanna@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى