من الذي مزق الشارع العربي

كتب أحمد حساني
-إيران وأذرعها وحلفائها صدعوا رؤوسنا علي مدي سنوات طويلة بمحاربتهم للاحتلال الإسرائيلي، وكانوا يزاودون علي الدول العربية ويتهمونهم بأنهم مقصرين في حق القضية الفلسطينية، هذا عندما كانت الجبهات هادئة والقصص والروايات تنسج مجانا علي مرأي ومسمع من الجميع.
-إيران نفسها احتلت عواصم عربية وسلبت خيراتها، ودمرت بناها الاجتماعية ونشرت الطائفية المقيتة؛ بل وتقتل المسلمين السنة في كل مكان يتمكن منه مشروعهم الهدام وبجريمة لم يقترفوها مرّ عليها 1400 سنة، وعندما يصرخ السنّي القتيل ضد القاتل المجوسي يُتهم من أبواق القتلة بالطائفية.
من أوصلنا إلي هذه المرحلة، وجعلنا نتجادل في عدالة القضايا العربية وعلي رأسها القضية الفلسطينية والسورية والعراقية، من المسؤول عن هذا الافتراق العجيب والمشين لصالح الدولة الصهيونية في قلب الشارع العربي، ومزقه وفككه وحوله إلي ميليشيات ومذاهب وطوائف ونحل متصارعة إلي حد الهلاك فيما يخص قضايا الوطنية!
-الآن اشتدت الحرب واشتعلت الجبهات، ويأتي الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ويقول: “الأخوة الأمريكية الإيرانية، وأنهم ليس بصدد فتح حرب ضد إسرائيل، وبأنهم سيتفاوضون علي الملف النووي الإيراني، مع التبرأ من جماعة الحوثي الإرهابية وأن طهران ليست مرجعيتهم في القرار!
-نقلت إسرائيل ما تسميه حربا وجودية إلي الشمال، لم تترك لـ حزب الله غير خيار الرد، المسألة تتعلق بأمنه وأمن بيئته وصورته وموقعه المحوري في محور المقاومة، ومع ظبط النفس الذي طال طهران وحلفائها طيلة الشهور الماضية سواء أكان بعد مقتل كبار قاداتها وجنرالاتها في دمشق، أو مقتل هنية علي أراضيها، والاغتيالات التي طالت مجموعة من قيادات الحزب في لبنان والعراق.
-في هذا الوقت تشتد الجبهات وتشتعل وتبلغ الحرب ذروتها، ويتم استهداف قيادات حزب الله وعلي رأسهم الأمين العام حسن نصر الله، فاستهداف نصر الله في بيروت أخطر من اغتيال هنية في طهران، فهل يوقظ استهداف نصر الله شبح الحرب الإقليمية في المنطقة!
-كان يفترض أن يدفع ذلك إيران إلى أن تستغل إنشغال إسرائيل بشن هجماتها على منتج الإيراني الرئيسي في المنطقة العربية “حزب الله” لتنتقم إيران لكرامتها ولتخفف الضغط عن حزبها في لبنان بتوجيه ضربات فعلية ومفاجئة ومحددة الأهداف وليس مجرد زخات صواريخ ومسيّرات عمياء!
-حزب الله أنجح تجربة لطهران في المنطقة، وهو أبرز أوراق قوتها في الضغط والتفاوض والتصعيد وفي التصفيات الجسدية المعارضة لمشروعها!
-قضت إسرائيل علي معظم قيادات حزب الله أسلحة وقيادات ومواقع عطلته كقوة كبيرة، يمكن لإيران أن تهدد بها لسنوات طويلة، نحو عشرين عام من البناء العسكري الإيراني لمنظومتها الخارجية المسلحة، يتهاوي معظمه في إطار المواجهة الإسرائيلة مع رفع شعارات الصبر الاستراتيجي وصبط النفس وحتمية الرد في وقت لاحق، بيد أن حزب الله يقوم بمهام إيرانية واسعة النطاق في سوريا والعراق واليمن ويستمر في تنفيذها!
-هذا الحزب ليس تيارا إيديولوجيا، بل هو حزب وظيفي، أسس لتحقيق أهداف تتعلق بالمشروع الإيراني، واتخذ من الولاء للولي الفقيه في طهران مذهبا علنيا، وكان تولي نصر الله زعامته عام ١٩٩٢ انتقالة مهمة في تاريخه، حيث نجح في تحويله لرقم صعب في المنطقة بأسرها، وسطع نجمه علي حثث وأشلاء ودماء أهل السنة!
-ما المقابل الذي طبلته إيران مقابل رأس حسن نصر الله؟ انكسر المشروع الصفوي الإيراني علي أرض العرب، فمقتل حسن نصر الله سيغير معادلات الشرق الأوسط بشكل جوهري، لكن سيبقي جزء منها لخدمة أجندات المرحلة المقبلة.
-نصر الله كان القائد الفعلي لجميع القوى خارج الدولة المرتبطة بإيران في المنطقة، وحزبه كان رمانة الميزان المركزية للمشروع الإيراني، ويبقى تأثير ذلك على بقية القوى المرتبطة بإيران قي المنطقة، والراجح، أنه سيتسبب بتراجع وتيرتها المتقدمة وتأثيرها العسكري، إن لم تتعرض أصلا لضربات من إسرائيل، وقد يكون مصيرها مماثلا لحزب الله، قوى موجودة لغرض الحشد الطائفي، والاحتراب الداخلي، دون تأثير على إسرائيل.
الدكتور/ أحمد حساني باحث في الشؤون الإقليمية والدولية.