تغزلوا فيها وقالوا انها مرآة النفس التي تكشف اسرارها وتفضح المشاعر، ولأنها كما وصفوها جوهرة ثمينة فإنها تتطلب منا رعاية وحماية للحفاظ عليها.. والرعاية والحماية ليست من الناحية الصحية فقط، بل هي ايضا من الناحية الدينية والأخلاقية والاجتماعية والسلوكية، فقد أوصانا الله بغض البصر حماية لنا من النفس الأمارة بالسوء وحماية للآخرين من انتهاك حركاتهم وخصوصياتهم. ولأننا في شهر الصوم حيث تكثر العبادات ويطول السهر إما قياما وتعبدا، أو أمام الشاشات ومتابعة المسلسلات والبرامج التي تتخم بها القنوات الفضائية وكأنها لا تعمل طوال العام سوى لأجل هذا الشهر.. فلهذا ولأجل الصيام وقلة السوائل واختلاف نمط الحياة الاجتماعية قد تتأثر أعيننا، فكيف نحافظ عليها وعلى نظرتنا براقة صحية.
هناك أمراض تصيب العين فقط كعضو من أعضاء الجسم، وقد تصاب بمرض كجزء من مرض آخر. ومن الأمراض المنتشرة المعروفة الماء الأبيض او الساد ( الكتاركت )، الماء الأزرق او ارتفاع ضغط العين بالإضافة الى أمراض الملتحمة وأمراض أخرى تصيب أجزاء من العين كل على حدة، كأمراض تصيب الجفون وأخرى تصيب قرنية العين وأمراض تصيب عدسة العين، وأخرى تصيب شبكية العين أو السائل الهلامي داخل العين.
فهل لأي من هذه الأمراض صلة أو علاقة بالصوم، تتأثر بشكل أو بآخر او يؤثر فيها الامتناع عن شرب الماء لفترة طويلة كنهار رمضان مثلا ؟
لا توجد علاقة مباشرة بين الصيام وأمراض العين، ولكن هذا لا يمنع ممن يشتكون من مرض جفاف العين سواء كان جفافا أوليا أو ثانويا ناتجا عن أمراض أخرى مثل أمراض الروماتيزم وأمراض الأنسجة التي يصاحبها جفاف العين.
وهؤلاء لابد ان يستخدموا قطرات الترطيب في النهار أثناء الصوم أو في الليل، وأوضح هنا أن القطرات لا تفطر، وإن كان البعض يشعر بها تنزل على الحلق، فبالإمكان غلق فتحات القنوات الدمعية بعد وضع القطرة داخل العين، وذلك بالضغط على جانبي الأنف أعلى العين لسد فتحات القنوات الدمعية ومنع امتصاص بعض هذه القطرة الى الأنف أو الحلق.
ومن الأمراض التي لابد للمريض فيها أن يتواصل بوضع القطرات بانتظام قطرات ضغط العين (الماء الأزرق). والقطرات عادة توضع مرة كل 12 ساعة أو مرة واحدة في اليوم وهناك القطرات التي تستعمل صباحا ومساء يمكن وضعها قبل السحور والمرة الثانية بعد الافطار إن كان هناك شك لدى المريض أن القطرة تفطر، وهذا أمر شرعي يمكن للمريض الاستفسار عنه.
إعتلالات الشبكية
تنجم هذه الاعتلالات عن عدد من الأمراض المجموعية، وأمراض الجسم العامة كفرط ضغط الدم ومرض السكري، خصوصا النوع الثاني الذي يلجأ فيه المريض إلى الحمية والأقراص الخافضة للسكر..
يلعب الصيام في هذه الحالة دورا وقائيا من خلال التحسن الذي يطرأ خلال رمضان على المرضى ذوي الضغط الدموي ومرضى السكري من النوع الثاني من خلال تخفيف وزنهم الذي يعد عنصرا أساسيا من عناصر العلاج، مما ينعكس بدوره على مضاعفات هذه الأمراض التي تأتي اعتلالات الشبكية في مقدمتها والتي تقل بسبب السيطرة والتحكم في هاته الأمراض الأصلية، كذلك يمنع رمضان تفاقم اعتلالات الشبكية القائمة ويساهم قي الحد من تطورها.
المياه الزرقاء ( ارتفاع ضغط العين )
وهو مرض يصيب العين يسببه ضغط سائل العين المائي المتزايد داخل المقلة والذي تفرزه زوائد الجسم الهدبي بالعين. هذا الارتفاع في ضغط العين قد يؤدي إلى تلف العصب البصري المركزي والشبكية، مما يؤدي إلى العمى إذا أهمل أو تأخر علاجه، يحدث هذا المرض عند الأطفال بسبب شذوذ خلقي، لكنه عادة لا يظهر إلا بعد سن الخمسين، وينتشر لدى الذكور والإناث بنفس النسبة تقريبا.
يظهر الزرق الحاد على شكل ألم شديد في العين واضطراب في الرؤية وشعور بالغثيان لدى أشخاص ذوي مزاج حاد يعانون من طول النظر لصغر حجم عيونهم وعدم اتساع خزانتها الأمامية التي تتسم بضيق زاويتها. أما الزرق المزمن فيستقر بشكل بطيء مع قليل من الألم وتراجع متواصل في الرؤية حيث يرى المريض ما يشبه حلقات قوس قزح حول مصادر الضوء البعيدة.
يكتسب فحص العينين بعد الخمسين بشكل دوري كل سنتين أهمية بالغة وذلك للتشخيص المبكر لهذه الحالات من طرف الطبيب الذي يقيس ضغط العين من خلال الفحص. هذا وقد تبين لأطباء العيون في عدد من البلدان الإسلامية من خلال الملاحظة ومبادئ الفيسولوجيا حيث أن الصيام يفيد في حالات الزرق المزمن من خلال خفض إفراز السائل المائي من قبل الجسم الهدبي للعين بسبب ازدياد تركيز الدم وميل غدد الجسم كلها إلى خفض إفرازاتها والاحتفاظ بالماء. ويؤدي هذا الاحتباس إلى انخفاض ضغط العين شريطة ألا يفرط المريض في تناول كميات كبيرة من السوائل بعد الإفطار. كذلك تساهم السكينة والطمأنينة النفسية المترتبة عن أجواء رمضان في التقليل من حدوث نوبات الزرق الحاد لدى الأشخاص المهيئين لهذا المرض.
الماء والجفاف
وعما اذا كان لعدم شرب الماء لساعات طويلة او قلة شرب الماء بشكل عام تأثير ما بطريقة او بأخرى في العين.
ـ قلة شرب الماء لا تؤثر تأثيرا مباشرا في العين، ولكن من الممكن ان تؤثر في الجلد فمن علامات الجفاف.. الجلد حول العين، ويصبح لونه اعمق قليلا، ويكون شكل العين مرهقا والجلد جافا (ناشف).
اما بالنسبة لكبار السن فهم اكثر عرضة للماء الابيض والماء الازرق، وهذا لا يمنع ان هناك اطفالا يولدون بالماء الابيض، ولكن المرض اكثر انتشارا مع ا لتقدم في السن وكذلك تزداد حالات جفاف العين او القرنية مع التقدم في السن، كما تحدث تغيرات في القرنية نتيجة التقدم في السن، كالانسداد وامراض الشبكية خاصة مع انتشار مرض السكر. فهل توجد حالات تستدعي الافطار وعدم الصيام؟
ـ نؤكد على عدم وجود حالات الا قليلا فتقول: معظم التهابات العين وخاصة الالتهابات داخل العين تستدعي العلاج بالقطرات وهذه لا تقطر، اما العلاج بتناول ادوية بالفم مثل المضادات الحيوية فهو ليس المستخدم لعلاج التهابات العين.
ولكن.. اذا كانت الالتهابات في الجفون او حول العين فلابد من استخدام المضادات الحيوية سواء عن طريق الفم او الوريد، وهذا يعتمد على حدة الالتهاب وهي تفطر ان كانت بالفم او عن طريق الوريد.
العدسات اللاصقة
العدسات اللاصقة والعين من النقاط الأخرى الهامة أن الكثيرين يستعملون العدسات اللاصقة، والعدسات اللاصقة سواء في الصيام أو في غير الصيام أو لبسها لساعات طويلة اثناء النهار، أو في فترات متأخرة من الليل من الممكن ان تسبب جفاف ومشاكل للعين، فتؤدي الى احمرار العين وقد تصاب بالتهاب أو قرحة في القرنية.
فما يحدث ان الحياة الاجتماعية في رمضان تختلف، حيث يطول السهر في الليل ومن الممكن ان يؤدي ارتداء العدسات لفترات طويلة في الليل الى ارهاق العين. وجزء من وظيفة الجفون والرموش هو حماية العين وترطيبها، فلو افترضنا بقاء العين مفتوحة ومعرضة للجو الخارجي لفترات طويلة، هذا ما يحدث بالسهر، فإنه يسبب احمرار وجفاف العين وفي الوقت نفسه حرقانا، وهذا يجعل العين أكثر عرضة للالتهابات.
ويزيد من حدة الجفاف مشاهدة التلفزيون، وبصورة عامة فإن من يتعاملون مع الشاشة سواء كانت شاشة التلفزيون او الكمبيوتر او حتى الكتاب، فإن تردد رمشة العين يقل وهذا يسبب الجفاف والحرقان.
وتوجد نصيحة لمن لا يعلمون، فالناس المعرضون لانسداد في زاوية العين من الممكن ان يؤثر ذلك في ارتفاع ضغط العين فبعض الناس تكون زاوية العين لديهم ضيقة خلقيا. ويقصد بزاوية العين المسافة بين القرنية والقزحية، فعندما تكون خلقيا ضيقة، وبالتالي مشاهدة التلفزيون في غرفة مظلمة او القراءة في ضوء خافت او التركيز على اي شيء في غرفة مظلمة من الممكن ان يرفع ضغط العين، او يجعل العين اكثر عرضة لارتفاع ضغط العين في الحالات التي لديها ضيق في زاوية العين.
التلفزيون والاضاءة
هل يعني هذا ان ما يفعله البعض من الذين يفضلون مشاهدة التلفزيون في الظلام معتمدين على اضاءة الشاشة خطأ..
الاصح ا ن تكون الغرفة مضاءة اضاءة مناسبة، والا يكون التركيز على الشاشة لفترة طويلة، وان يتذكر المشاهد ان يرمش بعينيه لان الرمش في حد ذاته جزء من ترطيب العين ومن الطبيعي ان ترمش العين 22 مرة في الدقيقة الواحدة، وهذا يحدث تلقائيا ولهذا لا نشعر بهذا العدد.
أما عن كيفية الاعتناء بسلامة العيون كالتالي:
– بالطبع فيتامين ( أ ) مهم، وكذلك شرب عصير الجزر وتناول الخضروات والفاكهة وكثيرون يعرفون هذا.
– نظافة العين ضرورية ومهمة وكذلك نظافة الرموش.
– عدم لمس العين باليد كثيرا والمحافظة على نظافة اليد خاصة من يرتدون العدسات.
– فحص العين مرة سنويا على الأقل ضغط العين والشبكية.
– على مرضى السكر المتابعة باستمرار مع طبيب العيون.
– لا بد من الفحص الدوري لمن لديهم تاريخ مرضى في العائلة مثل ضغط العين او اي امراض وراثية اخرى.
– إذا كنت تعمل فترات طويلة أثناء الصيام أمام شاشات الكمبيوتر يجب أخذ وقت من الراحة، لأن نقص الماء فى الجسم أثناء الصيام يزيد من جفاف والتهابات العين.
. من الضروري ارتداء نظارة شمسية أثناء الخروج في النهار لحماية عينيك –
شرب الكثير من الماء لترطيب الجسم والعينان معا.–
. . . . دعـونـا نـفـكر ؟!!!! منذ اليوم الاول من شهر رمضان وحتى اليوم الاخير كيف نحافظ على صحتنا ونستفيد من صومنا، فالهدف ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، وانما الاهداف اكبر واكثر، ولسنا بصدد احصاء الفوائد الايمانية من التقرب الى الله وغفران الذنوب وتنقية السرائر وصفاء النفوس وغير ذلك، ولا بصدد الفوائد النفسية والمعنوية، ولا الاجتماعية والحياتية بالتزاور والتسامح وصلة الرحم.
رائد شرطة طبيب/ محمود محمد عبد المعطي
اخصائي طب وجراحة العيون بمستشفيات الشرطة
ومستشفي العيون الدولي