دراسة صادمة تكشف واقع الصحفيين في مصر

بقلم/د. حماد الرمحي

حماد الرمحي يكتب: دراسة صادمة تكشف واقع الصحفيين في مصر:

• 19٪ يتقاضون أقل من 3000 جنيه شهريًا

• 40٪ يتقاضون أقل من 5000 جنيه

• 20٪ يعملون بلا أجر

• 15٪ عاطلون عن العمل

• 84٪ يقولون إن الأجور لا تضمن حياة كريمة

• 2٪ فقط يحصلون على دخل كافٍ

• 91٪ يرون أن الراتب اللائق يبدأ من 10 آلاف جنيه

• 43٪ يخرجون من الخدمة دون مكافأة نهاية خدمة

• 4٪ فقط يحصلون على مكافأة مُرضية

 

لم يمضِ شهر واحد على أزمة زملائنا في جريدة «الوفد» وهم يفترشون البلاط البارد دفاعًا عن حقّهم في أجرٍ كريم، حتى امتدّ نفس المشهد – بالوجع ذاته والكرامة ذاتها – إلى ممرات ومكاتب صحيفة «البوابة نيوز».

وما حذّرنا منه بالأمس وقع اليوم حرفيًا؛ قلنا إن الأزمة لن تبقى حبيسة غرف تحرير «الوفد» وإن تجاهل الحد الأدنى للأجور سيحوّل الغضب الفردي إلى دوامة اعتصامات متتالية في الصحف المصرية، ولكن أحدًا لم يلتفت، فتمدّد الحريق من «الوفد» إلى «البوابة»، وقد يمتد – لا قدّر الله – إلى ما هو أبعد إذا استمر الصمت.

اعتصام «الوفد» لم يكن مجرّد احتجاج عابر، بل كان ناقوس الخطر الأول الذي دوّى في قلب المهنة، أما اعتصام صحفيي «البوابة نيوز» اليوم فهو صفارة الإنذار الحادّة التي تقول للجميع إنّ الأزمة لم تعد ملفًا داخليًا في مؤسسة بعينها، بل صارت جرحًا مفتوحًا في جسد الصحافة المصرية كلها.

وبعيدًا عن التنظير وشعارات دغدغة المشاعر، أكتب اليوم بصفتي صحفيًّا أمضيت سبعةً وعشرين عامًا في الميدان الصحفي، وأكاديميًا جامعياً في الاقتصاد، يؤمن بأن الأرقام أصدق من الخطب، وأن العلم هو الحصن الأخير للحقائق، واستجابةً جادّة لنداء الرئيس عبد الفتاح السيسي وتعليماته بتشكيل لجان لتطوير ملف الإعلام في مصر، بادرت إلى إعداد دراسة تطبيقية واقعية واستبيان علمي محكَّم من خبراء الجامعات والاقتصاد، بهدف قياس الواقع الحقيقي لأجور الصحفيين في مصر وتشريحه بلغة الأرقام لا بلغة العواطف، وقد جاءت نتائج الدراسة صادمة بكل معاني الكلمة.

 

أرقام صادمة وحقائق مرعبة

بلغ عدد الصحفيين الذين شاركوا في الاستبيان نحو ١٢١ صحفيًّا وصحفية؛ منهم نحو ٥٧٪ منهم يعملون في الصحف القومية، وحوالي ٣٢٪ ينتمون إلى الصحف الخاصة، بينما بلغ عدد المشاركين من الصحف الحزبية نسبة ١١٪، وهو ما يعكس شمول عينة الاستبيان جموع الصحفيين باختلاف انتماءاتهم الصحفية.

وقد كشفت نتائج الدراسة أن نحو ٨٦٪ من الصحفيين ما زالوا يعملون ومستمرّين في الخدمة داخل مؤسساتهم، بينما هناك نحو ١٥٪ في حالة تعطّل تام عن العمل؛ من بينهم حوالي ١٠٪ متعطّلون «قسرًا» ما بين استبعاد من المؤسسات أو فصلٍ تعسُّفي، بالمخالفة للقانون، وهو ما يسلّط الضوء على جانب شديد الحساسية في ملف الاستقرار الوظيفي والأمان المهني للصحفيين.

وتُظهِر بيانات الاستبيان فجوة صارخة بين «الأجر الفعلي» الذي يحصل عليه الصحفيون في مصر و«الأجر اللائق» الذي يضمن لهم حدًّا أدنى من الحياة الكريمة.

فهناك نحو ١٩٪ من الصحفيين يتقاضون رواتب شهرية تتراوح من ١٠٠٠ إلى ٣٠٠٠ جنيه فقط، بما يعني أن خُمس أبناء المهنة تقريبًا يعيشون في شريحة «تحت خط الفقر» ولا تليق بحجم المسؤولية ولا بكلفة الحياة اليومية.

كما تشير النتائج إلى أن نحو ٢١٫٥٪ من الصحفيين يحصلون على رواتب تتراوح بين ٣٠٠٠ و٥٠٠٠ جنيه شهريًّا، وهي شريحة لا تزال دون سقف الحد الأدنى للأجور والحياة الكريمة في ظل الارتفاع المستمر في الأسعار وتكاليف المعيشة.

في المقابل، هناك حوالي ٣٤٫٧٪ من الصحفيين يحصلون على رواتب تتراوح بين ٥٠٠٠ و١٠٠٠٠ جنيه شهريًّا، بينما لا تزيد نسبة من يتقاضون أكثر من ١٠٠٠٠ جنيه عن ٤٪ فقط من إجمالي العينة.

الأخطر من ذلك أن نحو ٢٠٪ من الصحفيين المشاركين في الاستبيان كشفوا أنهم لا يتقاضون أي أجر على الإطلاق، رغم ممارستهم الفعلية للعمل الصحفي، وهو ما يكرّس نمطًا خطيرًا من عمل «السُّخْرة»، أي «العمل بلا مقابل»، داخل سوق النخاسة الصحفية.

باختصار، تكشف هذه الأرقام أن ما يقرب من ٤٠٪ من الصحفيين يعملون برواتب أقل من ٥٠٠٠ جنيه شهريًّا، وأن 20% من الصحفيين المشتغلين بالمهنة بلا أجر نهائيًّا، مقابل أقلية محدودة لا تتجاوز ٤ من كل ١٠ صحفيين تتقاضى ٥٠٠٠ جنيه فأكثر.

هذه الصورة الرقمية تؤكد أن الحديث عن «أجر لائق للصحفي» لم يعد رفاهية نقابية، بل ضرورة وجودية لحماية المهنة ومن يقفون في خط الدفاع الأول عن وعي المجتمع وأمنه المعلوماتي.

كما تكشف نتائج الدراسة الميدانية عن صورة شديدة القسوة لنظرة الصحفيين إلى مفهوم «الحياة الكريمة»، فهناك أكثر من ٨٤٪ من الصحفيين أكدوا أن أجورهم الحالية ضعيفة ولا تضمن لهم «حياة كريمة»، في حين لا تتجاوز نسبة من يصفون مرتباتهم بأنها «جيدة وكافية» نحو ٢٪ فقط، وهي أقلية ضئيلة لا تعبر عن الصورة العامة لانتشار الإحساس بالظلم المالي والتهميش داخل الوسط الصحفي.

وعندما سُئل الصحفيون عن «المرتب اللائق» الذي يضمن لهم حياة كريمة، جاءت الإجابات أكثر صراحة وحدّة؛ فهناك نحو ٤٥٪ من الصحفيين يرون أن الحد الأدنى للحياة الكريمة يجب أن يتراوح بين ١٠ آلاف و٢٠ ألف جنيه شهريًا، بينما يذهب حوالي ٤٧٪ منهم إلى أن المرتب العادل ينبغي أن يتجاوز ٢٠ ألف جنيه شهريًا، في حين بلغت نسبة الموافقين على تطبيق قيمة الحد الأدنى للأجور وهو ٧٠٠٠ جنيه نحو ٨٪ فقط.

والخلاصة أن أكثر من ٩١٪ من الصحفيين يرون أن «المرتب اللائق» للصحفي لا ينبغي أن يقل عن ١٠ آلاف جنيه شهريًا، فيما يعتقد قرابة نصفهم تقريبًا أن الراتب العادل ينبغي أن يكون فوق ٢٠ ألف جنيه، وهو ما يعكس اتساع الفجوة بين الأجر الفعلي وبين الحد الذي يعتبره الصحفيون حدًّا أدنى للحياة الكريمة.

 

مكافأة نهاية الخدمة… مظلّة شبه غائبة عند خط النهاية

لم تقف صدمة الأرقام عند حدود الأجر الشهري، بل امتدت إلى محطة النهاية في عمر الصحفي المهني، فقد كشفت نتائج الدراسة جانبًا شديد الخطورة؛ فحين يصل الصحفي إلى خط النهاية، يكتشف في الغالب أنه يخرج «شبه أعزل» من أي مظلّة حقيقية تحميه هو وأسرته.

وتشير الأرقام إلى أن نحو ٦٥٪ من الصحفيين يعملون في مؤسسات تُقرّ نظريًّا بمكافأة نهاية الخدمة، بينما يؤكد حوالي ٣٥٪ من الصحفيين أن مؤسساتهم لا تمنح الصحفيين أي مكافأة أساسًا عند انتهاء الخدمة.

كما أكدت نتائج الدراسة أن حوالي ٦٠٪ من الصحفيين يحصلون على مكافأة ضعيفة وغير كافية ولا تليق بعمر طويل قضوه في خدمة المهنة، في حين أكد نحو 43٪ منهم أنهم لا يحصلون على مكافأة نهاية خدمة إطلاقًا، أما من يعتبرون أن المكافأة «كافية» فقد بلغ عددهم نحو ٤٪ فقط من الصحفيين، وهو ما يعني أن أكثر من ٩٥٪ من الصحفيين إمّا بلا مكافأة حقيقية عند نهاية الخدمة أو أن ما يحصلون عليه مهين ولا يرقى إلى مستوى سنوات العمر المهني التي أفنوها بين غرف الأخبار والصفحات والشوارع دفاعًا عن الحقيقة والوطن.

وفي نهاية الاستبيان العلمي، تكشف نتائج الدراسة أن مكافأة صندوق التكافل في نقابة الصحفيين قد تحوّلت – عمليًا – إلى الضمانة الوحيدة تقريبًا لإنقاذ حياة الصحفيين عند بلوغ سن التقاعد، حيث أكد نحو ٩٦٪ من الصحفيين أنهم يطالبون برفع مكافأة الصندوق بشكل جذري، بما يضمن حياة كريمة للصحفيين عند سن المعاش.

 

من أزمة أجور إلى قضية أمن قومي

إن ما تكشفه الأرقام – ببرودة الإحصاء وحرارة الواقع – أن سوق العمل الصحفي في مصر يعيش أزمة هيكلية كاملة، لا تقف عند حدود دخل الصحفيين وحياتهم الأسرية، بل تمتد لتصيب قلب الدولة نفسها في أخطر نقاطه «الوعي، والمعلومة، والأمن القومي».

إن تهميش الصحفي الجاد والدفع به للخروج من المهنة أو الهجرة إلى الهامش، تتقدم إلى الواجهة جيوش «هواة التريند» وصنّاع الشائعات، والمرتزقة المأجورون من منتحلي الصفة، وهنا لا تخسر الدولة صحفيًا فقط، بل تخسر اللسان المهني القادر على تقديم صورتها للعالم بلغة منضبطة وموثوقة.

كما أن الصحفي الذي لا يجد دخلًا كريمًا يكفي أسرته يصبح هدفًا سهلًا لضغوط المعلنين ورجال الأعمال وأصحاب المصالح، بل وأطراف سياسية داخلية وخارجية، ومع الوقت يتحول تحت ضغوط الحياة من «حارس البوابة» إلى «باب خلفي» يتسلل منه النفوذ غير المشروع إلى المجال العام.

إن تجويع الصحفي ليس توفيرًا في بند الرواتب، بل استنزاف بطيء لرصيد الأمن القومي، وضربة مباشرة لمنظومة الوعي الوطني، وكل جنيه يُنتقص من أجر الصحفي هو في الحقيقة ثغرةٌ جديدة تُفتَح في جدار الأمن القومي المعلوماتي للدولة.

من هنا تصبح المطالبة بحدٍّ أدنى واقعي ومحترم لأجور الصحفيين ليست «رفاهية نقابية» بل ضرورة دولة؛ حدٌّ أدنى يبدأ – كمرحلة أولى – من ٧ آلاف جنيه شهريًّا، يتدرّج إلى ١٠ آلاف جنيه فأكثر بما يتناسب مع طبيعة المهنة وكلفة المعيشة، ويُقابله اعتراف صريح بأن الصحفي جزء أصيل من منظومة الأمن القومي المعلوماتي، لا مجرد موظف في دهاليز الحكومة.

في الحلقة القادمة سوف نسلط الضوء على دراسة دولية تكشف حقيقة أجور الصحفيين في معظم دول العالم، مع مقارنة علمية حقيقية وواقعية بينها وبين أجور الصحفيين في مصر.

د. حماد الرمحي

عضو مجلس إدارة صندوق التكافل بنقابة الصحفيين

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى