سنوات مع صلاح منتصر «2»


حين تقرأ كتاب السيدة منى سعيد الطويل «سنوات مع صلاح منتصر» تعيش فى جو من الحب والعمل مع أسرة مترابطة فيها الطموح وحب الحياة، وتتعرف على الجانب الآخر للكاتب الكبير، وتكتشف سر نجاحه، فهو يحترم عمله، يدخل مكتبه فى البيت بملابس الخروج وفى كامل لياقته بالبدلة والكرافتة كما تعلم من الأستاذ هيكل، ويخصص وقتا كبيرا للقراءة وساعات محددة للكتابة، وفى المساء يخرج مع زوجته لمقابلة الأصدقاء أو حضور فاعلية فنية أو ثقافية ولا يتغير روتينه اليومى إلا لمتابعة مباريات كرة القدم المهمة ويشجع نادى الزمالك وهكذا كانت حياة صلاح منتصر.. منظمة.
تقول السيدة منى إن حياتها معه كانت بلا مشكلات أو أزمات تقريبا، لحرصها على خصوصيات كل منهما وتقول إن هذه إحدى فوائد الزواج الثانى وفى سن كبيرة كان صلاح فى الستين توفيت زوجته الأولى التى عاش معها قصة حب مشهورة وشاركها الألم سنوات.
كان صلاح منتصر »جنتلمان« يتمتع بالحيوية موهوبا فى التواصل الاجتماعى مع أصدقائه وأقاربه فهو رجل علاقات عامة بمواصفات قياسية، وكان حريصا على أن يظل حرا بفكره ولا يسمح لأحد أن يفرض عليه أى فكرة، ولم يكتب أبدا إلا ما يؤمن به، واستمرت بهما محطات الحياة بلا منغصات إلى أن جاءت إرهاصات النهاية وظهرت عليه أعراض المرض اللعين وبدأت رحلته إلى المستشفيات وكبار الأطباء فى مصر ثم فى الخارج، وحتى وهو فى المستشفى يعانى الألم كان حريصا على الكتابة اليومية فى عمود «مجرد رأى»، إلى أن اضطره المرض إلى التوقف عن الكتابة بالتدريج ثلاث سنوات كان هو الذى يهوّن الأمر على المشفقين عليه .. كان – حتى فى أشد حالات المرض – متفائلا ويسعى للعلاج وهدفه أن يعود إلى القراءة والكتابة، إلى أن توفى فى مكتبه يوم 15 مايو 2022 وسط آلاف الكتب والأرشيف الضخم الذى جمعه بيديه على مدى عشرات السنين.
ولابد أن نشكر السيدة منى الطويل لأنها جمعت لنا فى كتابها تفاصيل حياة صلاح منتصر لنعرف أن والده كان تاجر ألبان يصنع أنواعا مميزة من الجبن، وكانت والدته بنت إمام مسجد الفتح الملحق بقصر عابدين وشقيقها الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر الأسبق، توفيت هى أيضا بالمرض اللعين وهو فى طفولته المبكرة وحمله والده إلى دمياط لتتولى شقيقته تربيته وهى أرملة وأم لخمسة أبناء، وفى دمياط تعلم مبكرا صناعة الحلويات مع أبناء عمته، وهو تلميذ فى مدرستى دمياط الإبتدائية والثانوية، وتركتا أثرا عميقا فى تكوينه وحبه للقراءة والفنون، وبقى فى دمياط حتى بلغ 14 عاما وانتقل بعدها ليعيش مع والده وزوجته الثانية وبعد وفاتها تزوج والده للمرة الثالثة.
ويصف أسرته بأنها كانت أسرة بسيطة لا تملك ثروة ولا جاها رغم الأصل الطيب، وفى مدرسة التوفيقية الثانوية فى حى شبرا تعرف على صديقه الكاتب الكبير أحمد بهجت وبعدها التحق بكلية الحقوق جامعة عين شمس وخلال سنوات الدراسة الجامعية عمل فى مطبعة جريدة »الزمان« وفى نفس الوقت عمل موظفا فى مصلحة الطيران المدنى فى قسم الحسابات وصحفيا فى دار أخبار اليوم ويتقاضى راتبا أقل من 12 جنيها فى الشهر وجمع بين هذه الوظائف الثلاث إلى أن انتهى به الأمر فى الأهرام فى يناير 1958 وعمره 25 عامًا واستمرت رحلته فى الأهرام 64 عامًا.
صعد صلاح منتصر فى الأهرام، وكانت رحلاته إلى دول العالم كنزا كتب عنها كثيرا وجمع مقالاته فى كتابين هما »رحلتى إلى آخر العالم« و »رحلاتى بين الماء والسماء« .. وعن عاداته تقول السيدة منى الطويل إنه كان يسجل كل المعلومات والأفكار فى أرشيف منظم وتعلم استخدام الكمبيوتر فى نهاية التسعينيات فاستغنى عن الورق والقلم .. وتصفه بأنه طيب القلب وصادق المشاعر وقادر على العطاء دائما، وعاشت حياتها معا بلا مشاكل لحرص كل منهما على خصوصيات الآخر.. كانت الكتابة والقراءة هما حياته. وغرفة المكتب هى الصومعة التى يعكف فيها مع الكتب والصحف ساعات طويلة.
عاش صلاح منتصر حياة حقق فيها مكانة بين كبار الكتاب وترك صفحة مشرقة فى تاريخ الصحافة المصرية، كما عاش قصة كفاح وحياة لم تكن سهلة كتب فيها قصة حب نادرة وقصة نجاح مبهرة فيها الكثير مما يلهم الشباب.




