أزمة الإسلام السياسى

كان أبو جعفر المنصور يدعى أنه يحكم بما أنزل الله وأنه يطبق الشريعة ومن يخالفه إنما يخالف حكم الله، وكان يقول: «أيها الناس، إنما أنا سلطان الله على الأرض، أسوسكم بتوفيقه، وأنا حارسه على ماله، أعمل فيه بمشيئته وإرادته.

وهذا هو المسار الذى اتخذه الحكام بعد ذلك، وكلما ظهرت اتجاهات للمعارضة الفقهية أو السياسية يتم قمعها والتنكيل بأصحابها، وكتب التاريخ مليئة بقصص ونماذج البطش والإستبداد فى ظل الخلافة الإسلامية. كان الحكام يعتبرون الخروج عليهم خروجا على الشريعة وتمردا على حكم الله. ولم تظهر إلا نماذج قليلة للحاكم العادل فى هذه العصور ويكرر الدعاة عدل عمر بن عبد العزيز ولا يجدون غيره للاحتجاج به.

الإسلام السياسى لا يعترف بنظام الحكم الحديث القائم على حرية الرأى، والانتخابات الحرة، ومسئولية الحكومات أمام البرلمان. ولا يعترفون بأن الشعب هو مصدر السلطات ويدعى مؤسسو الإسلام السياسى أن الخليفة (الحاكم) يمكن أن يعين بمبايعة فرد واحد أو أفراد محدودة، ولا يمكن لأحد من (الرعية) أن يناقش اختصاصات الحاكم أو يسائله عن أفعاله وإنما حسابه أمام الله وحده، وفى الفقه الإسلامى ما يروج لهذه الأفكار مما يحتاج إلى مراجعة.

ولذلك يدعو عابد الجابرى – المفكر المغربى الكبير – إلى ضرورة نقد الماضى، ونقد الحاضر أيضا لكشف ما فيه من بقايا الماضى، ويعتبر أن هذه هى الخطوة الأولى الضرورية للتحرك إلى الأمام واللحاق بالعصر ولإقامة مشروع حضارى حديث.. ويقول إن ما فى المجتمعات الإسلامية من مظاهر التقدم والحداثة، أحزابا – نقابات – جمعيات – صحافة – إلخ، ليست إلا الظاهر على السطح والحقيقة أن روح العشيرة والقبيلة والطائفية والتطرف الدينى وكثير من مخلفات الماضى مازال سائدا فى هذه المجتمعات ويكفى أن ترى الدعوة إلى ضرورة الانصياع إلى حكم الله بطاعة الحكام والاستسلام لهم دون مناقشة – ويرى الجابرى أن تقدم المجتمعات الإسلامية يرتبط بالتخلص من التعصب المذهبى والطائفى والتخلص من الاعتقاد بأن أحدا أو جماعة يمكن لهم أن يمتلكوا الحقيقة المطلقة.

لا يمكن أن تتخلص المجتمعات الاسلامية من التخلف إلا إذا تخلصت من التعصب ومن الجمود العقلى الرافض للتغيير والاجتهاد. المجتمعات الإسلامية تحتاج إلى عقل جديد بعد (غربلة) التراث والتخلص من الأفكار السلبية ومن الخرافات والشعوذة ومن الدعوة إلى العودة إلى الماضى. وكأن هذا التراجع هو الدواء لكل داء .. العقل الجديد هو الذى يؤمن بأن الدولة الحديثة هى التى تخلصت من رواسب وبقايا عصور التخلف والاستبداد .. وتبقى نظرية (دولة الحداثة) هى السائدة .. دولة القانون والمؤسسات والحريات .. الدولة التى تستمد الشرعية من كونها تمثل إرادة الشعب وتعمل لخدمة الشعب وتحسين أحواله، وكل من فيها يخضع للحساب والمساءلة وليس فيها من هو فوق القانون.

وعلينا أن نستعيد كيف عاش المسلمون فى كرب فى ظل الخلافة ويكفى أن نتذكر كيف كان معاوية يلخص فلسفته فى الحكم فيقول «إنما ولانى الله عليكم وإنى لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم مالم يحولوا بيننا وبين سلطاننا».. وعابد الجابرى يعتبر هذه بداية الانحدار باستغلال الدين فى السياسة والمماثلة بين الله الذى خلق الكون، والخليفة الذى يحكم البشر ويرى أنه سلطان الله على الأرض.

أزمة الإسلام السياسى لا تستعصى على الحل!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى