اليوم الذي سيرفع فيه مروان البرغوثي شارة النصر

بقلم : ألوف بن

المصدر : هآرتس

إن بنيامين نتنياهو يفكر في الصور: زوايا التصوير، صوَر النصر، الخرائط والرسوم التوضيحية، ولو كان عليّ أن أخمّن ما هي الصورة التي تخيفه أكثر من أي شيء، وتردعه عن إبرام صفقة شاملة لتبادل الأسرى مع “حماس”، لَتخيلت صورة القيادي في حركة “فتح” مروان البرغوثي، وهو خارج من السجن، رافعاً أصابعه بعلامة النصر، ويصبح بطل العالم الجديد

منذ بداية الحرب، أراد نتنياهو تجنُّب صفقة “الكل في مقابل الكل”، وحتى الآن، نجح في تأجيل النقاش بشأن الإفراج عن “أسرى من الوزن الثقيل”، أي قادة الانتفاضة الثانية ومنفّذي 7 أكتوبر. وفي هذا السياق، يطالب حلفاء نتنياهو في الائتلاف، علناً، بالتضحية بالأسرى الإسرائيليين الذين ما زالوا في غزة، لتفادي الوصول إلى المرحلة النهائية من الصفقة. وكعادته، يختبئ نتنياهو خلفهم، ويتجنّب التصريحات الفظة، ويتعامل مع عائلات الأسرى على أنهم مصدر إزعاج. من الواضح أنه يخاف من تكرار سابقةِ صفقة شاليط في سنة 2011، التي أفرج نتنياهو خلالها عن يحيى السنوار الذي كان في السجن الإسرائيلي، الأمر الذي مهّد له الطريق لبناء جيش “حماس” والتحضير لغزو إسرائيل بعد 12 عاماً.

حينها، كان السنوار الشخصية الأقوى في “حماس”، لكن قلة قليلة خارج السجن وأجهزة الاستخبارات كانت تعرفه، لذلك، لم يكن للإفراج عنه أي تكلفة إعلامية، بالنسبة إلى نتنياهو. مرّت أعوام، قبل أن تتضح قوته الحقيقية. أمّا البرغوثي، المعتقل منذ 23 عاماً في إسرائيل بسبب مسؤوليته عن عمليات أدت إلى مقتل 5 إسرائيليين، فهو نجم عالمي، ويقارنه الفلسطينيون بنيلسون مانديلا. وبمجرد الإفراج عنه، سيؤدي فوراً دور الممثل الأبرز للدولة الفلسطينية، والأمل الكبير بإنهاء مشروع الاحتلال، والتهجير، ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي في الأراضي الإسرائيلية

كرّس نتنياهو حياته لإحباط قيام دولة فلسطينية مستقلة، ومنذ عودته إلى الحكم في سنة 2009، نجح في صدّ جميع الضغوط للدفع بـ”حل الدولتين” قدماً، بدهاء وحنكة، حتى تلاشى هذا المشروع. لكن الفكرة عادت إلى الحياة في الأسابيع الأخيرة، بعد أن ضاقت دول غربية كبرى ذرعاً بصور المجازر في غزة، وقررت التمرد على الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل، وأصبحت الاعترافات بفلسطين موضة سياسية جديدة، شبيهة بالاعتراف الأوروبي بمنظمة التحرير في الثمانينيات، والذي قاد، بالتدريج، إلى اتفاقات أوسلو.

لكن كل قصة تحتاج إلى بطل، ومحمود عباس يجد صعوبة في أداء هذا الدور. فموجة الاعتراف الحالية بفلسطين، التي تبدو كأنها ذروة إنجازاته الدبلوماسية، باغتته، وهو غير مستعد وغير ذي صلة. أمّا البرغوثي، فهو يمثل جيلاً آخر، ولديه سجل مثبت كزعيم “للمقاومة”، واعتراف دولي، وصورة جاهزة، باعتباره “مانديلا الجديد”، وفور الإفراج عنه، سيكون المنافس الرئيسي لنتنياهو على الساحة الدولية.

ثمة قدر كبير من المفارقة في وضع نتنياهو: فبدلاً من أن يؤدي القتل والدمار الهائل، اللذان تسبّبهما إسرائيل في غزة، إلى دفع الفلسطينيين إلى اليأس والاستسلام، وبالتالي تحقيق حلم رئيس الوزراء بزوالهم من المشهد، أعادت هذه الأحداث قضية إقامة دولتهم المستقلة إلى صدارة الأجندة، وهذا كابوس حياته السياسية. لكنه ردّ بزيادة الرهان، مهدداً بإكمال تدمير غزة وتهجير سكانها، حتى تكون الدولة الفلسطينية من دون مواطنين، كما أن المناورة العسكرية التي أجراها الجيش الإسرائيلي على سيناريو “الغزو من الشرق” قبل أيام، توحي بنيّات التهجير من الضفة الغربية أيضاً، امتداداً لعمليات الترحيل المحلية التي تقوم بها ميليشيات المستوطنين. ومع ازدياد الضغط الدولي والتمرد الصامت داخل الجيش، هناك شك في أن ينجح نتنياهو في مخطط التهجير الجماعي. لكنه سيواصل عرقلة الصفقة التي ستطلق سراح زعيم فلسطين المستقبلية من السجن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى