هل الإسلام مسئول عن تخلف المسلمين؟!

أثناء دراسته الدكتوراة فى ألمانيا كان الدكتور حمدى زقزوق يواجه باتهامات وحملات تشكيك فى الإسلام من أساتذته وزملائه، وكان يتصدى للرد عليهم، وعندما صار عميدا لكلية أصول الدين ثم وزيرا للأوقاف أصدر كتابا جمع فيه هذه الاتهامات؛ وقال فيه إن حقائق التاريخ تبين أن الإسلام استطاع أن يقيم حضارة وتضم مكتبات العالم آلافا من المخطوطات للعلوم والفنون التى أبدعها المسلمون. وحضارة المسلمين فى الأندلس شاهد على ذلك فى أوروبا نفسها. وكان يجد الدعم من أستاذته المستشرقة العظيمة أنّا مارى شيمل التى كانت أكبر مدافع عن الإسلام فى الغرب.

وقد قامت أوروبا بحركة ترجمة نشطة فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر لعلوم المسلمين كانت هى الأساس الذى بنت عليه أوروبا حضارتها الحديثة. وفى القرآن الكريم تقدير كبير للعلم والعلماء ودعوة لدراسة الكون وعمارة الأرض وفى الآيات الأولى التى نزلت من الوحى الإلهى تنبيه إلى أهمية العلم والقراءة والتأمل. أما تخلف المسلمين اليوم فلا يتحمل الإسلام وزره، لأن الإسلام ضد كل أشكال التخلف، ويعبر مالك بن نبى – المفكر الجزائرى الراحل – عن ذلك بأن التخلف الذى يعانيه المسلمون اليوم ليس سببه الإسلام وإنما هو عقوبة مستحقة من الإسلام للمسلمين لتخليهم عنه لا لتمسكهم به كما يظن بعض الجاهلين.

ويقول الدكتور زقزوق إن الإسلام سيظل منفتحا على كل تطور حضارى فيه خير للإنسان، أما تخلف اليوم فيرجع إلى مخلفات عهود الاستعمار، بالإضافة إلى أسباب داخلية أدت إلى ترك المسلمين للعناصر الإيجابية الدافعة لحركة الحياة فى الإسلام. ولا يجوز الخلط بين الإسلام والواقع المتدنى للعالم الإسلامى المعاصر، فهذا التخلف ليس إلا مرحلة فى تاريخ العالم الإسلامى ولا يعنى أنهم سيظلون على هذه الحال إلى نهاية التاريخ. ولا يجوز اتهام الإسلام بأنه سبب هذا التخلف، كما لا يجوز اتهام المسيحية بأنها سبب تخلف دول أمريكا اللاتينية. والأمانة العلمية تقتضى أن يكون الحكم على موقف الإسلام من الحضارة مبنيا على دراسة موضوعية لأصول الإسلام وليس على أساس اتهامات وأحكام مسبقة لا صلة لها بالحقيقة.

وفى الرد على حملة التشكيك فى صحة السنة النبوية من الغربيين ومن بعض المسلمين أنفسهم وقد أدعى ذلك المستشرق الشهير جولد تسيهر وأخذ عنه تلاميذه هذه الأفكار العدائية ونشروها على أوسع نطاق ومنهم مسلمون درسوا على يديه ونقلوا أفكاره المسمومة، ظنا منهم أنهم بذلك يجددون الفكر الإسلامى ومازالت أفكاره تتردد وتبناها من يّدعون أنهم الدعاة الجدد ويجدون فى وسائل الإعلام وفى وسائل التواصل الاجتماعى الفرصة للإساءة إلى الإسلام والادعاء بأنهم يلتزمون بالموضوعية. وهو الذى قال إن السنة من اختراع المسلمين فى العصور الأولى للإسلام.

وإن كانت هناك الكثير من الأحاديث الموضوعة المنسوبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم فإن علماء المسلمين كانوا حريصين على التدقيق فى رواية كل حديث واتبعوا أهم قاعدة من قواعد النقد التاريخى وهى التأكد من أخلاق الراوي، وأدى تطبيق هذا المنهج النقدى على رواة الأحاديث إلى تنقية الأحاديث ومازال علماء المسلمين يراجعون ويستبعدون ما لا يتفق مع القرآن وما لا يتفق مع العقل وأنشأوا علوما جديدة للحديث النبوي، منها علم الرجال، وعلم الإسناد، وعلم الجرح والتعديل، وقد حذر النبى من الكذب عليه بقوله «من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»، والمثال على التدقيق ما بذله الإمام البخاري، فقد أفنى حياته فى خدمة الحديث النبوى وجمع عشرات الآلاف من الأحاديث المنسوبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم ــ وبعد الفحص والتدقيق لم يأخذ منها فى صحيح البخارى إلا تسعة آلاف حديث نتيجة للمنهج العلمى الدقيق والشروط الصارمة التى وضعها، فإذا حذفنا منها الأحاديث المكررة فلا يتبقى منها فى صحيح البخارى إلا ثلاثة آلاف حديث وبعد الجهود التى بذلها علماء الحديث اعتمد المسلمون ستة كتب هي: صحيح البخاری، وصحيح مسلم، وسنن النسائى وابن داود والترمذى وابن ماجه، وهناك مؤلفات إسلامية عديدة أشارت إلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة التى يصل عددها إلى عشرات الآلاف، وبذلك فإن التشكيك فى الأحاديث النبوية كلها ادعاء لا يقوم على أساس .. والدعوة إلى ترك السنة والاكتفاء بالقرآن دعوة مضللة لأن السنة هى الأصل الثانى للإسلام ولدى العلماء قواعد دقيقة وضعها علماء الحديث للتفرقة بين الصحيح والزائف من الأحاديث.

هذا بعض ما قاله الدكتور زقزوق للرد على حملات التشكيك فى الإسلام وله فى ذلك عشرات الكتب للرد على كل ما يقال من أعداء الإسلام.

من جانبه قام الدكتور زقزوق – وهو وزير الأوقاف – بنشر الردود باللغة الإنجليزية على حملات التشكيك على شبكة الإنترنت لإزالة بعض التشويش على الإسلام ونبيه وتعاليمه ومازال هذا الجهد محتاجا إلى مواصلة الرد على كل ما يوجه للإسلام من اتهامات وأفعال عدائية فى الغرب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى