الكاتبة والأديبة لطيفة زباري في حوار حصري لصحيفة” البلاغ”
القراءة حياة والكتابة جسر للتواصل مع المجتمع والتعبير عن الذات الأدب المترجم وسيلة للتعرف الثقافات وعادات الشعوب

أجري الحوار – نادر أبو الفتوح
*كاتبة وأديبة ومبدعة ومفكرة من طراز فريد، عشقت القراءة من الصغر، وعاشت بين الكتب والمطالعة بالتزامن مع واجبات العمل والأسرة والحياة، أكسبتها القراءة سلاسة في الحديث ومنحتها الكتب عبير ورحيق الكلمات.. إنها الكاتبة البحريني لطيفة زباري التى تترأس نادي دلمون للقراءة تحت مظلة جمعية تاريخ وآثار البحرين.
*في هذا الحوار دار الحديث حول البدايات في عالم الإبداع، والخطوات الأولي، ونصائحها للمبدعين الشباب، وتأثير وسائل التواصل على الكتب، وسبل حث الشباب على القراءة.. وغيرها من الموضوعات.. وإلي نص الحوار.
في البداية نود أن يطلع القارئ علي نبذة مختصرة عنكم؟
لطيفة زباري، البنت والأخت والزوجة والأم، موظفة حكومية، هويتي القراءة والمطالعة وأكتب مقالات تتعلق بالكتب والأدب، والمقربون مني يعرفون بأني أحب الطبخ وأتخذه هواية في أوقات الفراغ.
كيف كانت بدايات الشغف بالكتابة والمطالعة، وأي المجالات كانت أكثر اهتماما؟
كوني نشأت في منزل مليء بالكتب، نشأ عندي حب المطالعة وفضول المعرفة منذ الصغر، وبمجرد وصولي للمرحلة الإعدادية بدأت بقراءة كل كتاب أجده متوفر أمامي، وبدأت بكتاب كليلة ودمنة رغم صعوبة فهمي له، وبعدها بمجموعة قصص “عقلي وقلبي” للروائي المصري إحسان عبدالقدوس بطبعة قديمة متوارثة، تعرفت باكراً على متعة الروايات وقوة الخيال، واستمريت بالقراءة في العطل الصيفية خصوصاً، وبشغف يخبو ويرتفع إلى وصولي إلى المرحلة الجامعية حين فتح لي أخي الكبير المجال لقراءة أي كتاب من مكتبته، فقرأت حينها في كل المجالات، الكتب الدينية والخيالية والأدبية والسياسية والتاريخية والاقتصادية والعلمية، إلا أنني وجدت نفسي مع الروايات التي تتناول جوانب تاريخية وسياسية، وخاصة التي تتطرق للهوامش التاريخية في حقب معينة، والكتب والروايات التي تتطرق للعوامل النفسية والاجتماعية، وبمجرد قراءتي لروايتي الأولى مع الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز “ذاكرة غانياتي الحزينات”، تعرفت على متعة الأدب المترجم ومتعة التعرف على شعوب العالم من خلال الروايات.
تظل خطوات الانطلاق نقطة ضوء في مسيرة الإبداع والانجاز، ماذا عن هذه المرحلة، وكيف تشكلت الأفكار؟
في نهاية 2015 راجعت عدد الكتب التي قمت بقراءتها خلال السنة، واكتشفت بأني أضعت الكثير من الوقت دون استثماره في القراءة، ومنها اتخذت القرار بوضع هدف بإكمال عدد معين من الكتب سنوياً، وفعلاً تمكنت في 2016 من تجاوز العدد المحدد، وفي السنوات اللاحقة كان العدد يزيد وينقص بسبب الانشغالات اليومية بين العمل والأسرة، إلا أن جاء اليوم الذي شجعتني فيه صديقتي على فتح حساب على منصة الانستغرام أعرض فيه عروض ومراجعات للكتب التي قمت بقراءتها latifareads، حيث كنت انشر أحياناً في حساباتي الخاصة عن بعض الكتب، ويعتبر فتح هذا الحساب هو نقطة الانطلاق في مسيرتي، تعرفت من خلاله على مجتمع لديه نفس ميولي من مجموعات قرائية وأصدقاء للكتب، الذين كان لهم الدور الفعال في تغير اختياراتي وذائقتي القرائية، من كتاب ودور نشر وحتى التركيز عن بعض الأسماء الرائدة في عالم الترجمة، توسعت معارفي وبدأت بتقديم وإدارة المناقشات في بعض الفعاليات، وقدمت محاضرة تتعلق بكتاب العادات الذرية للكاتب جيمس كلير عن كيفية بناء عادات جيدة والتخلص من العادات السيئة في وزارة المالية والاقتصاد الوطني، وتحدث فيها عن تأثير التزامي بالقراءة والبعد عن المشتتات وقطع بعض العادات السيئة التي كان لها دور كبير في إضاعة الوقت على تغير شخصيتي وحياتي بالكامل في السنوات الماضية، ومن ثم مشاركتي كمتحدثة في الاحتفال الذي نظمته كذلك وزارة المالية والاقتصاد الوطني بمناسبة يوم المرأة البحرينية تحت شعار “المرأة شريك جدير في بناء الدولة” حيث كنت ضيفة جلسة حوارية بعنوان “شريكة في بناء المجتمع”، بمحور “المرأة ما بين العمل والهوايات”، وبتشجيع ومساندة عائلتي الصغيرة وأشخاص مقربين كان لهم دور هام في توجيهي للكتابة، بدأت بكتابة مقالات تتناول كتب رأيت أنها من المهم الكتابة عنها لما لها دور كبير في الساحة الثقافية، ومؤخراً تم اختياري لترأس نادي دلمون للقراءة تحت مظلة جمعية تاريخ وآثار البحرين، وكل ذلك جاء كنتيجة حتميه لالتزامي بالقراءة منذ سنوات وخصوصاً بعد إنشاء حسابي الخاص بالكتب، إلا أني هذه السنة اتخذت قرار عدم الالتزام بعدد معين من الكتب وإنما التركيز على قراءة كتب وانتاجات محلية وعربية فقط والابتعاد عن الكتب المترجمة التي لطالما كان لها النصيب الأكبر من قراءاتي.
البعض يرى أن التخصص في الكتابة والإبداع الفكري والأدبي يحقق التميز، والبعض الآخر يرى أن الإبداع بلا حدود.. أين تجدين نفسك؟
دائماً أقول أن الكتابة نتيجة حتمية للالتزام والاستمرار بالقراءة، وما يميز القارئ المبدع هو تحويل هذا الكم من القراءة إلى التميز في الإبداع الفكري، فالقارئ الجيد هو من يقرأ ما بين السطور وهو من يفهم اسقاطات الكاتب ويبحث ويدون كل معلومة يتطرق لها في الكتاب، ويثري فكره ومعلوماته عن الأحداث التاريخية والسياسية والعوامل الاجتماعية والنفسية التي يتطرق لها المؤلف، ويستخدم معرفته لتطوير ذكاءه العاطفي والاجتماعي، ويعرف كيف يميز بين الكتب التي تسرد أحداث التاريخ كما هي، وبين من يوظف الخيال لسرد أحداث تاريخيه في سياق الرواية، وأرى بأن الاستمرار على هذا النهج يكون الإبداع لا حدود له، ومسيرة الإنجازات والإبداع تتواصل طالما واصل أي شخص القراءة بمنهجية جيدة.
في رأيك هل أثرت وسائل التواصل الحديثة علي الكتب والروايات المطبوعة؟
للأسف أثرت وسائل التواصل بشكل كبير على بعض القراء، بحيث أصبحت المنصات منافساً قوياً للكتب، وأصبح الكثير يعتمد عليها لاستقاء المعلومات، وفي جانب آخر لها إيجابيات تتعلق بالتسويق عن الكتب وتبادل المعرفة مع الحسابات المخصصة لها ولمراجعاتها، وكما أبديت في سؤال سابق، إنشائي لحساب يتعلق بالكتب كان له دور كبير في تغير ذائقتي القرائية وتوسع معارفي وانطلاقي في الكتابة وتغير حياتي بالكامل.
أما عن الروايات المطبوعة، كنت في السابق اعتقد بأن القارئ الحقيقي هو من يلمس الكتاب بيديه، إلا أن بعد قراءتي لكتاب “في مديح الأشياء وذمها” للكاتب البحريني الدكتور حسن مدن، تبين لي بأن هناك حاجة إلى التكامل بين أنواع الكتب ما بين ورقي وإلكتروني وسمعي من أجل الوصول إلى فئات ذات أذواق وقدرات مختلفة في القراءة.
أهم النصائح للأدباء والكتاب والمبدعين الشباب في مختلف المجالات؟
عليكم بالقراءة والبحث المكثف قبل الشروع بأي مشروع كتابي، القراءة بمنهجية جيدة هي أساس الكتابة الجيدة، والاستمرارية بها تجعل الابداع لا حدود له، وعليكم التحلي بالمرونة وتقبل الآراء، لزيادة الإنتاجية بشكل مميز، وعدم التزمت أو الانجرار وراء الآراء المحبطة.
كيف نستفيد من الكتب والوثائق والمقتنيات التاريخية في تشكيل وعي الشباب والأجيال الجديدة؟
عندنا في البحرين مثل يقول “اللي ماله أول ماله تالي”، أي الذي لا يعرف ماضيه لن يعرف مستقبله، والحمدلله يوجد لدينا اهتمام كبير بالتراث والتاريخ على مر العصور، وتقوم هيئة البحرين للثقافة والآثار باحتضان وتقديم العديد من الأنشطة والفعاليات التي تركز على التراث الثقافي وتستهدف جميع الفئات والجنسيات، والجدير بالذكر تقوم جمعية تاريخ وآثار البحرين بتنظيم العديد من الفعاليات والمحاضرات والندوات التي تتناول تاريخ البحرين والمنطقة.
ومن المهم ذكره أن بعض الكتاب الشباب في الساحة الثقافية المحلية بدأوا بتناول تاريخ المنطقة روائياً مما ساهم في زيادة وعي الشباب وزيادة ميولهم للتعرف على الأحداث التاريخية، واعتقد هنا يكون دور الأسرة مهم في ترسيخ حب القراءة لدى الأبناء، وتفعيل دورهم في تعريفهم وتوجيههم للبحث، والاطلاع، وحضور الندوات والفعاليات.
ماذا عن نادي دلمون للقراءة.. الفكرة والتأسيس والدور والرسالة؟
تم اختياري من قبل رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين الدكتور عيسى أمين ونائب رئيس الجمعية الأستاذ محمد لوري لترأس نادي دلمون للقراءة تحت مظلة جمعية تاريخ وأثار البحرين، ويهدف النادي إلى تعزيز ثقافة القراءة في التاريخ والتراث وإبراز كتاب وأدباء مملكة البحرين والوطن العربي، وإقامة الفعاليات واستضافة المؤلفين والمترجمين، ومناقشة الروايات والأدب العالمي، في سعي لبناء مجتمع قارئ وناقد في جو من الحوار البناء والتبادل المعرفي، وسينظم النادي العديد من الفعاليات منها: مناقشة الكتب، واستضافة المؤلفين والمفكرين وأصحاب الأدوار الثقافية المهمة في المجتمع، ودعوة الشخصيات المؤثرة التي رسخت مكانتها في المشهد الثقافي البحريني، وسيكون من ضمن الفعاليات فكرة جديدة تتضمن إقامة حلقات نسائية مخصصة لتسليط الضوء على أدب المرأة، ومناقشة كتب وكتاب يتناولون شئون المرأة والأمومة، وسيُخصص النادي بعض لقاءاته لمراجعة الأعمال الصحفية.
كيف ترى تأثير حركة الترجمة على الإبداع الأدبي وتحديدا الروايات، وهل الأفكار والواقع الغربي يصلح للنقل دون مراعاة للواقع العربي؟
الترجمة من العوامل التي ساهمت في إثراء الأدب وتطويره ونقل الأفكار والثقافات، وتساهم في توسيع الآفاق والمعرفة والتعرف على شعوب العالم، فهي تمد الجسور بين الثقافات المختلفة، إلا أنها قد تؤدي إلى فقدان بعض الخصائص الأصلية والمعاني الدقيقة للمفردات، وقد يتم تغير المحتوى ليتناسب مع بيئة وثقافة المجتمع مما يؤثر على المعنى الأصلي، وقد تؤثر الخلفية المعرفية والثقافية للمترجم على النص نفسه، فنحن نقرأ الأدب المترجم بلغة المترجم نفسه وليس الكاتب الفعلي.
وبالنسبة عن الواقع الغربي والواقع العربي من الصعب الفصل بينهم حالياً، نظراً لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم، فقدرة القارئ العربي للوصول لجميع الأفكار دون اللجوء للكتب المترجمة باتت سهلة، ومن خلال مؤشرات البحث والترجمة على الأنترنت يستطيع أن يتلقى أي فكرة، التحدي الذي أمامنا الآن هو كيفية اقناع القارئ العربي للالتفات للمؤلفات الأدبية العربية والتي تعكس الهوية وتتكلم عن التراث والتاريخ والمجتمع، وعدم الاعتماد بشكل كلي على الأدب المترجم، وهذا ما يفتح باب التساؤل أيضاً أمام جودة الأدب الموجود حالياً والذي يعكس الواقع العربي بشكل جيد.