الإسلام والدولة المدنية «2»

– يقول الأستاذ خالد محمد خالد فى كتابه »الدولة فى الإسلام« وهو من علماء الإسلام الراشدين.. إننا لن نجد آية فى القرآن أو حديثا يقول يا أيها الذين آمنوا اتخذوا منكم حاكما لأن القضية من البداهة بحيث لا تتطلب أمرا أو دعوة،
– ولهذا يتجه القرآن والحديث النبوى مباشرة إلى شكل هذه الدولة. وأخلاقياتها والمسئوليات المتبادلة بين الحاكم والأمة.
– ويقول أبو الدساتير العربية الدكتور عبد الرازق السنهورى إن الحاكم فى الدولة الإسلامية يتولى سلطاته من الأمة نتيجة تعاقد حر يلتزم فيه الحاكم بتحقيق مصالح الناس وتحسين أحوالهم وتحقيق العدل والحرية والكرامة الإنسانية.
– أما القول بأن الحكم فى الإسلام هو الخلافة التى تعنى بقاء الحاكم فى الحكم إلى أن يموت فهذا نظام يتعارض مع حقوق الشعوب فى اختيار الحاكم وتجديد أسلوب الحكم وقطع الطريق على الفساد الذى ينتج عن تكلس النظام والتخلص من العناصر التى استغلت مناصبها وأساءت استخدام السلطة
– ويقول الدكتور عبد المعطى بيومى عميد كلية أصول الدين الراحل إن استمرار الحاكم – فى نظام الخلافة – دون تحديد مدة لحكمه يعطيه الفرصة لتوزيع المناصب للأنصار والمنافقين بصرف النظر عن الكفاءة وفى هذا مخالفة للمبدأ الذى قرره الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحديث: «من ولى من أمور المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين».
– ونظام الحكم فى الإسلام هو أى نظام يرتضيه الناس ويتفق مع مقاصد الدين وهي: الحرية وتشمل الحرية الدينية والاجتماعية والفكرية، والمساواة بين المواطنين وعدم التفرقة بينهم على أساس اختلاف الدين أو الأصل أو المكانة الاجتماعية، وتحقيق الكرامة الإنسانية «ولقد كرمنا بنى آدم» [الإسراء – 70] و«الناس سواسيه كأسنان المشط» الحديث.. وقد أرسى أبو بكر الصديق مبدأ الرقابة الشعبية حيث قال: إن رأيتم فيّ إعوجاجا فقوموني، وحرص عمر على تحقيق العدل والمساواة عندما ارتكب ابنه عبدالرحمن ما يستحق عليه العقاب وحاول عمرو بن العاص أن يجامله لأنه ابن الخليفة رفض عمر وكتب إلى عمرو بن العاص: «إنما عبد الرحمن رجل من الرعية تصنع به ما تصنع بغيره». دولة الإسلام هى دولة العدل والمساواة وفى الحديث القدسي: «يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته محرما بينكم» وفى القرآن يقول الله «ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار..» [إبراهيم – 42]. فكل نظام حكم يحقق العدل والحرية هو نظام إسلامي
– الحكم الفردى (الديكتاتوري) يرفضه الإسلام – ومشاركة المواطنين أصل من أصول الدين «وشاورهم فى الأمر» [آل عمران – 159]
– المسلمين أن يختاروا نظام الحكم الذى يرتضونه بشرط أن يكون محققا العدل والمساواة والكرامة ومحققا مصالح الناس وتحسين أحوالهم، والمشكلة هى ارتفاع أصوات بعض رجال الدين يلتمسون حلولا قديمة لمسائل جديدة، وينسون أن الأئمة الأربعة كانوا يغيرون آراءهم مع تغير الظروف والأحوال.. وآخر مذهب هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل وبينه وبين عصرنا ثلاثة عشر قرنا تغيرت فيه أحوال المجتمع وظهرت قضايا ومشكلات لم تكن معروفة فى عصور الأئمة. والفقه فى عمومه عمل بشرى وليس هو «الشريعة» التى تتمثل فى العقائد والأحكام التى جاءت بنص فى الكتاب والسنة. ولهذا فمن الطبيعى أن نجد اختلافات فى الفقه لاختلاف العقول والثقافات واختلاف الظروف
– الحكم فى الإسلام قائم على الديمقراطية بمعناها الحديث، وليس حكم الفرد الذى ينفرد بالرأى ويفرض على الناس رأيه كما كان فرعون «ما أريكم إلا ما أري» [غافر – 29] وليس فى الإسلام نظام الحكم الذى كان سائدا فى أوربا حين كانت الكنيسة ورجال الكهنوت يحكمون باسم الله وأنشأوا محاكم التفتيش لمحاكمة العلماء والمفكرين الذين يقولون مالا توافق عليه الكنيسة .. فى الإسلام يتحدد دور رجال الدين فى واجب النصح وبيان حكم الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والدولة فى الإسلام ملتزمة بمبادئ وأصول الدين بصرف النظر عن شكل الحكم فلكل عصر نظام الحكم الذى يناسب درجة التطور الذى يصل إليه المجتمع. وليس فى الإسلام ما أصبح معروفا باسم »الإسلام السياسي«. وهذه مسألة تحتاج إلى توضيح.
rmelbanna@gmail.com