هكذا تهزم “إسرائيل” نفسها!

المصدر: الصحفي الإسرائيلي “ناداف إيال”

في كل حرب تخوضها دولة حديثة، لا يقتصر الانتصار على الإنجاز العسكري، بل يرتبط أيضًا بالشرعية السياسية، واستقرار الجبهة الداخلية، وتحالفات الخارج، وتوازن الرواية الأخلاقية.

وفي الحرب المستمرة في غزة، فشلت حكومة بنيامين نتنياهو في جميع هذه المسارات. هذا ما يؤكده الصحفي الإسرائيلي ناداف إيال في مقاله الأخير بـ يديعوت أحرونوت، محذرًا من أن إسرائيل “تهزم نفسها بنفسها”، عبر تخبط سياسي وانفصال تام عن الواقعين الإنساني والدولي.

حكومة بلا ظهر سياسي
الحرب ليست فقط في الميدان، بل أيضًا في عواصم القرار الدولية، وفي شبكات الإمداد، وفي الذاكرة الجماعية للشعوب. لكن حكومة نتنياهو دخلت الفصل الأخير من حرب غزة من دون حماية حقيقية على أي من هذه الجبهات. الحلفاء الغربيون – فرنسا، كندا، المملكة المتحدة، وحتى إدارة ترامب التي عادت إلى البيت الأبيض – وجهوا تحذيرات علنية وصريحة لإسرائيل: “إما وقف القتال، أو مواجهة العزلة والعقوبات”.
وبينما يراهن وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش على صمت واشنطن، تفاجأ نتنياهو بواقع مختلف تمامًا: الإفراج عن الجندي عيدان ألكسندر تم بإملاء أميركي مباشر، لا بمبادرة إسرائيلية، بل بالرغم من الحكومة التي أنكرت وجود أي صفقة، قبل أن تُجبر على تنفيذها.

إغاثة غزة ليست ضعفًا.. بل ضرورة
منع المساعدات عن غزة لم يكن قرارًا أخلاقيًا خاطئًا فقط، بل كان خطأً إستراتيجيًا جسيمًا.
فالحصار غذّى الاتهامات الدولية ضد “إسرائيل”، وأضعف موقفها التفاوضي، ودفع حتى الدول التي تعتبر من أقرب حلفائها إلى التخلي عنها تدريجيًا.
كان يمكن لإسرائيل أن تتصرف بعقلانية منذ البداية، أن تُعلن أنها ستمنع المجاعة وتُدخل المساعدات، وأن تضع خطة واضحة لمستقبل القطاع – خطة تُقنع الأوروبيين والأميركيين أن الحرب ليست انتقامًا أعمى، بل سعي نحو واقع أكثر استقرارًا. لكن بدلاً من ذلك، سمحت الحكومة لحماس بتحقيق انتصارات سياسية متتالية، دون أن تطلق رصاصة واحدة.

حماس تقرأ المشهد أفضل
أدركت حماس، كما يشير ناداف إيال، أن البيت الأبيض لن يسمح بكارثة إنسانية، وأن صبر العالم على الحكومة الإسرائيلية آخذ بالنفاد. الرسائل الدبلوماسية من العواصم الغربية تقول إن ما يجري ليس فقط ضد القانون الدولي، بل ضد مصالح إسرائيل نفسها. وفي الوقت الذي يُعد فيه الجيش خططًا ميدانية في رفح، تتآكل شرعية إسرائيل السياسية في نيويورك وبروكسل ولندن.

فقدان البوصلة السياسية
الرسالة الكبرى في مقال إيال، تتجاوز اللحظة التكتيكية. المشكلة الحقيقية ليست في سوء التقدير العسكري، بل في الغياب التام لرؤية سياسية تقود هذه الحرب. لا خطة لما بعد القتال، لا مشروع سياسي للغد، لا تنسيق فعّال مع الحلفاء، ولا حتى خطاب مقنع يوضح للجمهور الإسرائيلي نفسه إلى أين تمضي البلاد.
والأخطر من ذلك، أن الحكومة فقدت حتى جمهورها الداخلي. عائلات المختطفين تشعر بأنها تُحتقر، وتُستعمل كأداة مساومة، بينما تُدار الدولة بناءً على اعتبارات الائتلاف اليميني المتطرف أكثر مما تُدار وفق مصالحها الوطنية العليا.

الخلاصة:
لا مفر أمام حكومة نتنياهو، إن أرادت الخروج من هذا المستنقع، من الوضوح الكامل مع الولايات المتحدة. فكما يقول إيال، “دعم أميركا هو الذي سيؤدي إلى إتمام صفقة لإعادة المختطفين وإنهاء الحرب”. وكل ما دون ذلك ليس سوى استمرار في الهروب من الحقيقة، وإطالة أمد حرب لا نصر فيها، بل خسارة متعددة الأوجه: عسكريًا، دبلوماسيًا، وأخلاقيًا.
هلوسة النصر الكامل مقابل واقع الخسارة المركبة
“إسرائيل” لا تخسر أمام حماس في ساحة القتال، بل تخسر في المكان الأخطر: ساحة المعايير الدولية، وساحة ضمير الحلفاء، وساحة الضمانات الأخلاقية لمجتمع يدّعي الديمقراطية. وبينما تستمر في تجاهل هذه الجبهات، تمضي نحو ما قد يُسجَّل في كتب التاريخ كأحد أكثر الحروب فشلًا وتناقضًا في تاريخها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى