الجيش الإسرائيلي يخدم مصلحة نتنياهو السياسية

بقلم: عالم الاجتماع الاسرائيلي ياغيل ليفي
المصدر: هآرتس
لنتخيل أن الجيش، وليس جهاز “الشاباك”، هو مَن يستدعي بدواً انتقدوا إدارة الحرب، بعد أن لاحقت الوحدة 8200 نشاطاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي. ولنتخيل أيضاً، أن الجنود، وليس أفراد الشرطة، هم الذين يتم إرسالهم إلى المتظاهرين ليطلبوا منهم عدم رفع صور أطفال قُتلوا في غزة، وليمنعوا تظاهرات غير قانونية ضد الحرب. طبعاً، هناك مَن يعتقد أن هذا غير ممكن. لكن، عملياً، وحتى بشكل غير مباشر، هذا ما يقوم به الجيش، إن تجديد القتال في آذار/مارس 2025 هو، من دون شك، خطوة تهدف إلى تطويل عمر حكومة بنيامين نتنياهو. لقد سمحت هذه الخطوة بإعادة “عوتسما يهوديت” [“قوة يهودية”] إلى الحكومة، وأجّلت ازدياد الضغوط من اليمين على نتنياهو لكي يستقيل، وساهمت أيضاً في تأجيل تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، الحرب أيضاً تمنح الأصوات المُطالبة بإسكات الاحتجاجات ضد الحكومة الشرعية. وتُشرّع أيضاً كثيراً من النشاطات التي تحدّ حرية التعبير عن الرأي، فيظهر أن لا مكان لهذا في وقت الحرب. لا يحتاج الجيش إلى إرسال جنود للقمع السياسي، لكن يكفي أنه يحفظ استمرار الحرب، لكي يسمح للأذرع الأُخرى بالقيام بذلك، إن أحد الأعراض الجانبية لاستمرار الحرب بشكل عام هو تقوية الحكومة وإضعاف المعارضة الداخلية لها. لكن أحياناً، قد يتحول العارض الجانبي هذا إلى هدف بحد ذاته. هناك مكانة خاصة لِما يسمى “نظرية التمويه الناتجة من الحرب” في أدبيات العلاقات الدولية، وبحسبها، يمكن لقيادات غير محبوبة المبادرة إلى خطوات عسكرية من أجل التمويه على الرأي العام، وتحويل انتباهه عن المشاكل الداخلية، وتجنيده حول العَلَم، إن الضربات العسكرية الجوية التي نفّذها الرئيس الأميركي بيل كلينتون في سنة 1998 ضد أهداف في السودان وأفغانستان، والتي فُسِّرت بأنها محاولة لتحويل التركيز عن فضيحة مونيكا لوينسكي، تدعم هذه النظرية. تتم عمليات التمويه في الدول الديمقراطية باستعمال العمليات العسكرية من أجل مصالح انتخابية، مثل قيام حكومة بيغن، على سبيل المثال، بضرب المفاعل النووي العراقي، عشية انتخابات 1981، إلّا إن ما يجري في الجيش في الأسابيع الماضية يتعدى هذا التقليد. هناك فارق بين عملية عسكرية تحظى بنوع من أنواع الاتفاق، ويتم توقيتها للاستفادة منها انتخابياً، وبين الحرب الحالية، إذ تشير الاستطلاعات إلى أنها تدور بعكس إرادة أغلبية الجمهور الإسرائيلي، وتخدم مصلحة الحكومة السياسية.
في ظلّ هذا الوضع، يتحول المواطنون الإسرائيليون المخطوفون، وآلاف المدنيين الغزيين، إلى ضرر جانبي، وتُفكك الحرب جيش الاحتياط. وفي التاريخ الإسرائيلي كله، لا يوجد أيّ سلوك شبيه من طرف الجيش، ولا حتى في التاريخ الحديث للديمقراطيات الأُخرى، سبق لموشيه يَعلون أن ادّعى أن إيال زامير [رئيس هيئة الأركان العامة للجيش] لا “يوقف أيّ أمر غير قانوني يحوم حوله علم أسود.” لكن الحديث هنا لا يدور حول واجبات رئيس هيئة الأركان تجاه معارضة المستوى السياسي، إنما في حقيقة أنه، ببساطة، لا يملك الصلاحية في قيادة الجيش للقتال في هذه الظروف.
إن الجيش، بقيادة زامير، يسمح بما يمكن تسميته بـ”الانقلاب من الداخل”. وهو عملية من داخل مؤسسات الدولة، تخدم بقاء مجموعة سياسية موجودة في السلطة وتعيش صراعاً مع منافسيها. فهل هذا هو سبب عداوة زامير للملابس العسكرية؟