الأديب المفتقد
أديب اختطفه عالم الصحافة

بقلم/ محمد سلماوى
يأخذنا الكاتب الصحفى الكبير رجب البنا فى رحلة ممتعة ليروى لنا ذكرياته التى يصفها بأنها «أيام حلوة وسنوات ضائعة»، من نشأته الأولى فى دمنهور وحتى سطوع نجمه فى القاهرة حيث التحق بجريدة «الأهرام» فصار من أعمدتها وظل لسنوات يشارك فى صناعة أعدادها يوما بعد يوم فى واحدة من أكثر فتراتها ازدهارا، ولقد عرفت رجب البنا فى «الأهرام» قبل أكثر من خمسين عاما حين ترك كل منا عمله السابق ليلتحق عام 1970 بالجريدة العريقة وقت كان رئيس تحريرها يختار العاملين بها بعناية الصائغ الحاذق الذى يلتقط أحجاره بملقاط دقيق مهما بدت صغيرة ليضعها فى مكانها المناسب فتخرج قطعة الحلى من تحت يده براقة مدهشة، على أن ذكريات رجب البنا (305 صفحات من إصدار دار ريشة) لا تنحصر فى سنوات عمله فى «الأهرام»، وإنما ترصد لنا جوانب أخرى تفسر الكثير مما أصبح يمثله كاتبنا الكبير، فإلى جانب سنوات الطفولة والنشأة الأسرية التى شكلت شخصيته الهادئة السوية، وطبيعته الخلوقة الرصينة، هناك جانب آخر غير مطروق، وقد كان مجهولا تماما بالنسبة لى، ذلك هو الجانب الأدبى فى شخصية كاتبنا والذى يفسر أسلوبه السلس ولغته المتدفقة، فمن أمتع فصول الكتاب تلك التى خصصها رجب البنا للحديث عن واحدة من الجماعات الأدبية التى لم تنل حقها عند التأريخ لحياتنا الأدبية، وهى جماعة أدباء دمنهور التى يتضح من الكتاب أنها واحدة من أهم الجمعيات الإقليمية التى شكلت الخريطة الأدبية المصرية فى أواسط القرن الماضى، وقد كان رئيسها عبد المعطى المسيرى وسكرتيرها وأحد مؤسسيها رجب البنا، وقد اهتمت الدوائر الأدبية فى القاهرة فى حينها بالجمعية وأعضائها فاستقبلهم يوسف السباعى بنادى القصة بحضور يوسف الشارونى والدكتور على الراعى لمناقشة إنتاجهم الأدبى ومن بينها قصة لرجب البنا نشرها له بعد ذلك أنور عبد الملك فى جريدة المساء، كما التقى أعضاء الجمعية بكل من نجيب محفوظ ومحمود تيمور ويحيى حقى ويوسف إدريس الذين كان يدعوهم لتناول الشاى فى بيته، تلك بلا شك أيام حلوة، لكنها أيضا سنوات ضائعة لأنها أضاعت منا أديبا اختطفه عالم الصحافة.
msalmawy@gmail.com