شم النسيم ونوروز: عيدان لبعث الحياة ووحدة الإنسان والطبيعة

كتب ياسر عبيدو
يُعدّ شم النسيم من أقدم الأعياد التي عرفها الإنسان، حيث تعود جذوره إلى أكثر من أربعة آلاف وسبعمائة سنة، حين احتفل به المصريون القدماء كبداية لبعث الحياة وتفتح الكون مع إشراقة الربيع. وقد ظلّ هذا العيد، رغم تعاقب العصور وتبدل الحضارات، يحتفظ بجوهره المتصل بالخصوبة والخلود، مستوعبًا في مسيرته الطويلة التحولات الدينية والثقافية التي مرت ، من الفرعونية إلى القبطية، ثم إلى الحضارة الإسلامية التي احتضنته بروح التسامح.
في هذا العيد، يخرج الناس إلى الحدائق والحقول، يتنفسون عبير
الزهور، ويأكلون من خيرات الأرض: الفسيخ، البيض الملون، البصل الأخضر، الحمص والترمس، وهي رموز اكتسبت دلالات متعددة عبر الزمن، بين مادية وروحية، دنيوية وأخروية. فرمز البيض، الذي كان في العقيدة الفرعونية إشارة إلى الخلق، أصبح في المسيحية رمزًا للقيامة، بينما صار البصل علامة على كشف الداخل، وتحوّل الفسيخ من رمز الموت إلى صورة مجازية للبعث والحياة الجديدة.
-وليس من المصادفة أن يدوم هذا العيد حتى يومنا الحاضر، بنفس العادات والتقاليد القديمة، إذ هو عيد ملائم للفطرة الإنسانية، يُعبّر عن الفرح، وصلة الرحم، وشكر الخ
الق على نعمة الخلق، مما جعله نموذجًا فريدًا للتعايش والوحدة الثقافية في المجتمع المصري.
-وإذا تأملنا في هذا العيد من زاوية أوسع، نكتشف أوجه شبه م
دهشة بين شم النسيم وعيد النوروز، الذي يحتفل به الإيرانيون وشعوب آسيوية أخرى منذ آلاف السنين، بمناسبة قدوم الربيع وتجدد الطبيعة. كلا العيدين ينطلق من توقيت فلكي وروحي مشترك: اعتدال الربيع، وبداية دورة جديدة من الحياة، حيث الشمس تستعيد قوتها، والزهور تبعث رسائل الأمل.
-البيض الملوّن في شم النسيم يقابل البيض في “هفت سين” النوروزي والذي يرمز إلى الخصوبة والحياة الجديدة ، والخروج إلى الطبيعة موجود في كلا التقليدين، وكذلك الطعام الرمزي: الفسيخ مقابل السمك، البصل مقابل السِير، والحمص والترمس يقابلهما السمنو والعدس والسبزي. كلا العيدين يؤكد على قدسية الحياة وتجددها، وعلى ضرورة التصالح مع النفس والكون، والعودة إلى الصفاء والبساطة.
-شم النسيم والنوروز، وإن اختلفت جذورهما الجغرافية، إلا أنهما يلتقيان في روح الإنسان وسعيه الفطري للاحتفال بالحياة. كلاهما يربط بين الأرض والسماء، بين الماضي والمستقبل، بين الجسد والروح. هما عيدان يتجاوزان الدين والعرق واللغة، ويؤكدان أن الثقافة الحقيقية هي التي تبني الجسور لا الجدران، وتزرع بذور الفرح المشترك في قلوب البشر.
-هكذا يصبح شم النسيم والنوروز أكثر من مجرد تقاليد موسمية؛ إنهما مرآتان متقابلتان لوجدان وفكر الإنسان.
Davoodzarinpour@yahoo.com