تشكيلات يهودية لمواجهة صهيونية اسرائيل

استكمالا لما تضمنته الحلقتان السابقتان عن الصراع اليهودى الصهيونى، بين الجماعات الدينية والحكومة الإسرائيلية، وفى تتابع تاريخى للفصائل الدينية داخل المجتمع الإسرائيلى، والتى تفرعت إلى اتجاهين هما الإصلاحى والأرثوذكسى – الحريدى- فقد بدأت الحركة الإصلاحية أواخر القرن التاسع عشر بألمانيا، وطالبت باندماج الأقليات اليهودية فى ألمانيا، وتغيير لغة العبادة من العبرية إلى لغة الدولة التى تؤدى فيها الصلاة، وحذف كلمتى «صهيون والقدس» من كل الصلوات، وقد شكلت الحركة كما يذكر الباحث فى شئون التاريخ بالجامعة الإسلامية فى غزة «يونس عبدالحميد»، أكبر عقبة منظمة للصهيونية باعتبارها أوسع الفئات اليهودية نفوذا فى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، ونظمت المؤتمرات المتعددة للدعوة لمعاداة الصهيونية، منها مؤتمر الحاخامات فى «فرانكفورت» عام 1869، وأعلن فيه الإصلاحيون رفضهم الصلاة من أجل العودة لأرض الآباء، كما زعمت الصهيونية، لأن آمالهم مرتبطة بوطنهم ألمانيا، وأن الرغبة فى إقامة دولة يهودية فى «فلسطين» منعدمة، وهو ما تكرر فى «فلاديليفيا» بالولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الجانب الآخر فان الحركة الأرثوذكسية، والتى سميت فيما بعد بالحريديم أى «الأتقياء» كانت أشد عداء للصهيونية من غيرها، وقد أجبر مجلس الحاخامات الألمانى «هرتزل» عام 1897 على تغيير مكان المؤتمر الصهيونى الأول من «ميونيخ» إلى «بازل»، وأصدروا بيانا مناهضا عن اختلاف مساعى الصهاينة مع مبادئ جماعتهم الأصولية، وانتهجوا المعارضة الأشرس للصهيونية من داخل الصف اليهودى. وفى أكتوبر عام 1911 عُقد فى «فرانكفورت» بألمانيا اجتماع شارك فيه عدد من يهود ألمانيا والمجر وليتوانيا وبولندا، لمناقشة قضية لغة العبادة والموقف من الحضارة الغربية، واتفق على قيام حزب «اجودات يسرائيل» المسمى «رابطة إسرائيل»، بوصفه منظمة عالمية، والذى ناصب الصهيونية العداء منذ تأسيسه ببولندا عام 1912، وسعى إلى توحيد المجموعات الأرثوذكسية الشرقية والغربية، بهدف تشكيل غيار بديل للمنظمات اليهودية فى مواجهة الحركة الصهيونية.

ووفقا لما ذكره الباحث يونس عبد الحميد، فقد بدأ الحزب نشاطه على أرض فلسطين بالقدس عام 1919 على يد طائفة أرثوذكسية، واعتبر أهم مبادئه الأساسية معارضة الصهيونية، وبدأها بحملات إعلامية ضد الحركة ومشروعها فى فلسطين، ورفض الانضمام للجماعات الصهيونية، وحافظ على انعزاليته عنها. ومع إعلان قيام إسرائيل عام 1948، بدأت حدة سياسات الحزب تنخفض تدريجيا وتوافقت مع بعض المواقف الصهيونية، الأمر الذى رفضه بعض أبناء الحزب وقرروا الانشقاق عنه، لمناهضة الصهيونية مستقلين، وتمكن التيار الأرثوذكسى من ضم العديد من الأجنحة المتصارعة مُتباينة القوى. وفى كتابه «الحركات الدينية الرافضة للصهيونية داخل إسرائيل»، يؤكد محمد عمارة الباحث فى الأديان والصراع العربى الإسرائيلى، انه من المعروف أن الحركة الصهيونية منذ بدايتها لم تشهد عداء من زعيم دينى يهودى مثل ما رأت من الحاخام «يونيل تتلباوم» الزعيم الروحى لحركة «ساطمر»، الذى اتهم الصهيونية بالهرطقة وأنها مارقة عن الدين، واتجه الحاخام إلى أخطر من ذلك، فقد اعتبر أن «الهولوكست» عقاب من الله للشعب اليهودى الذى خالف وصاياه، على أيدى الحركة الصهيونية.

ويبقى ما تنتظره شعوب العالم، عما إذا كان صراع اليهودية والصهيونية سيؤدى إلى تفكيك دولة إسرائيل أو زوالها، «أم» يقتضى الأمر توحيد المنظمات العربية والإسلامية والإفريقية، للعمل على إنهاء وجود هذا الكيان من وسط تجمعاتهم.

نشر بجريدة الاهرام 2025/4/6 الرابط

https://gate.ahram.org.eg/daily/News/976621.aspx

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى