ليلة سقوط الأسد

في اليوم السابع مرة أخرى، ينكسر أفق التوقع، يخطو التاريخ بسرعة أسطورية، وتنجز 12 يوما ما عجزت عنه 13 سنة؛ فلم لم يكن مساء السابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري وليلة الثامن بعده ليلة عادية في تاريخ سوريا، لقد كان بينها وبين أيام وليالي الطوفان “أقرب النسب”.

في تلك الليلة انهد نظام حكم سوريا 5 عقود وتنفس الشعب الصعداء، والتقى الأحباء بعد فرقة دهر وكأنهم ألحان قصيدة نزارية تتدلى كأصابع الثلج على جبل الشيخ.

في تلك الليلة كانت النجوم في أقدم عواصم العالم، أقرب إلى الأرض من أي وقت مضى، وانتفض الفرح المبنّج منذ عقود أسدية دامية.

عاد الشام إلى ما كان عليه، لكنه هذه المرة لا يقتل الناس بالنعيم كما كان العرب قديما يرون أن من سكن الشام رق عظمه ولان لحمه وأسرع إليه الموت حتى قال قائلهم:

يقولون إن الشام يقتل أهله.. فهل لي إن لم آته بخلود

تعرّب آبائي فهلا صرَاهم.. من الموت أن لم يذهبوا وجدودي

لكن الشام يقتل أهله بالرصاص المصبوب، والبراميل المفعمة من اللهب، وبجيوش وكتائب لم تعرف الغوطتين ولا داعبت أقدامها الدموية مياه بردى، ولم ترق أرواحها لنسيم الشام أحرى أن ترق لأنهار الدم والدموع وموال اليتم الذي عاشه أهل سوريا لأكثر من 13 سنة.

وكأن القدر قد استجاب للدعوات التي كانت تطلقها حرائر الشام، وهن يرددن في غنج “تُؤبُرني” فانتشرت القبور حتى ضاق عنها الفضاء، واتسعت حتى التفت رئتاها على العشرات ممن كان بطن الأرض أرحم لهم من ظهرها.

إنها سوريا التي تعيش فصلا جديدا، وتحولا لم يهز الشام المتثلج بدماء حرائره منذ عقود، بل كادت أن هزت المنطقة برمتها، وتعيد إلى الأذهان لحظات فارقة مرت في التاريخ السياسي للعالم العربي؛ إنها ليلة سقوط نظام الأسد.

لم يسقط الأسد هذه المرة في ميدان العراك مع من يصفهم أنصارهم بـ”الأسود الضارية” التي ترنحت تحت هجومها المباغت كتائب وأحراس نظام بشار الأسد، فانفتح سرداب من التاريخ، لتغيب فيه حقبة آل الأسد، وفي السرداب الجديد، ما زال بشار الأسد مختفيا أو بالأحرى مجهول المصير، قبل إعلان موسكو لجوءه إليها.

بشار.. الأسد الثاني والأخير

ينتمي بشار الأسد إلى جيل من الحكام الذين ورثوا الكراسي والحكم والأزمات، يقول السوريون إن “الوحش” كان هو الاسم القديم لعائلته التي ترقت في الشأن السياسي سريعا، لتأخذ اسم الأسد، وتتخلى عن اسم الوحش لا صفته، كما يقول ملايين السوريين الذين رأوا في سجون النظام ومنافيه ما لا عين رأت من صنوف العذاب والجوع والألم.

مضت السنون، وطريق الحكم مفروش بالورد والياسمين أمام طبيب العيون الطويل القامة، كان كل شيء يوحي بأن تحت الرماد لهبا كثيرا، وأن كثيرا من الحقد والغضب يعتمل في نفوس السوريين، الذين فاض بهم الحزن والألم حتى حولوه إلى نكات وطرائف كثيرة عن جرائم آل الأسد، وكيف تتحول السجون إلى قبور يشيب فيها الولدان، قبل أن تقذفهم إلى قبور فردية أو جماعية لا فرق.

كان الطريق إلى دمشق عسيرا جدا، احتاج -وفق بعض الإحصائيات- إلى أكثر من 600 ألف قتيل، وأكثر من 7 ملايين لاجئ، ومثل ذلك العدد تقريبا من النازحين داخل سوريا يعانون من صعوبة الحصول على الغذاء والدواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى