رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير
عبدالمجيد الشوادفي
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد شاهين
نائب رئيس مجلس الادارة
سيد عبدالعال

أخبار عاجلة

الفساد الأخلاقي لوسائل الإعلام الأميركية

LinkedIn
Twitter
Facebook

تمثل تغطية صحيفة “نيويورك تايمز” للمذبحة الإسرائيلية في غزة، مثلها مثل تغطية وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية الأخرى، وصمة عار على جبين الصحافة.‏

‏لا ينبغي لهذا التأكيد أن يفاجئ أحدًا. إن وسائل الإعلام الأميركية ليست مدفوعة بالحقائق ولا بالأخلاق، وإنما هي محكومة بالأجندات والحسابات الجائعة للسلطة. وليست إنسانية 120.000 قتيل وجريح فلسطيني بسبب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ببساطة، سوى جزء من تلك الأجندة.‏
في تقرير -مستند إلى مذكرة مسربة من صحيفة “نيويورك تايمز”- ‏‏اكتشف‏‏ موقع “ذا إنترسبت” Intercept أن ما توصف بأنها الصحيفة الأميركية الرائدة كانت تغذي صحفييها بـ”إرشادات” يتم تحديثها بشكل متكرر حول الكلمات التي يجب استخدامها -أو عدم استخدامها- عند وصف المذبحة الجماعية المروعة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة بدءًا من 7 تشرين الأول (أكتوبر).‏
‏في الواقع، لن تكون معظم الكلمات المستخدمة في الفقرة أعلاه صالحة للنشر في الـ”نيويورك تايمز”، وفقا لما تمليه “إرشاداتها”.‏
ومن المثير للصدمة أن المصطلحات والعبارات المعترف بها دوليا، مثل “الإبادة الجماعية”، و”الأراضي المحتلة” و”التطهير العرقي”، وحتى “مخيمات اللاجئين”، موجودة على قائمة الرفض التي اعتمدتها الصحيفة.‏
‏بل وتصبح الأمور أكثر قسوة. وفقًا لما جاء في المذكرة التي تم تسريبها وتحقق منها موقع “إنترسبت” ووسائل إعلام مستقلة أخرى، فإنه “غالبًا ما تنقل كلمات مثل ’الذبح‘، و’المذبحة‘ و”المجزرة” العاطفة أكثر مما تنقل المعلومات. فكِّر مليًا قبل استخدامها بصوتنا الخاص”.‏
‏على الرغم من أن مثل هذا التحكم في اللغة، وفقًا لصحيفة الـ”نيويورك تايمز”، يهدف إلى إنصاف “جميع الأطراف”، إلا أن تطبيقها كان أحادي الجانب بالكامل تقريبًا. وعلى سبيل المثال، ‏‏أظهر‏‏ تقرير سابق لموقع “إنترسبت” أن الصحيفة الأميركية ذكرت كلمة “مذبحة” بين 7 تشرين الأول (أكتوبر) و14 تشرين الثاني (نوفمبر) 53 مرة عندما أشارت إلى مقتل إسرائيليين على أيدي فلسطينيين، ومرة واحدة فقط في الإشارة إلى الفلسطينيين الذين تقتلهم إسرائيل.‏
‏‏وفي ذلك التاريخ، كان آلاف الفلسطينيين قد ‏‏لقوا حتفهم‏‏، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، وقُتل معظمهم داخل منازلهم أو في المستشفيات أو المدارس أو الملاجئ التابعة للأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن عدد القتلى الفلسطينيين كان موضع ‏‏شك في كثير من الأحيان بالنسبة للحكومة ووسائل الإعلام الأميركية، إلا أنه تم قبوله لاحقًا بشكل عام على أنه دقيق، ولو مع تحذير: نسبة مصدر الرقم الفلسطيني إلى “وزارة الصحة التي تديرها ’حماس‘ في غزة”. وكانت هذه الصياغة كافية، بطبيعة الحال، لتقويض الثقة في دقة الإحصاءات التي جمعها اختصاصيو الرعاية الصحية، الذين كان من سوء حظهم أنهم قاموا بإنتاج مثل هذه الأرقام مرات عدة في الماضي.‏
‏وفي المقابل، نادرًا ما تم التشكيك في الأرقام الإسرائيلية، إن وُجدت، على الرغم من أن وسائل الإعلام الإسرائيلية كشفت في وقت لاحق أن العديد من الإسرائيليين الذين يُفترض أنهم قتلوا على يد مقاتلي حماس ماتوا في الحقيقة بـ”نيران صديقة”، كما حدث، على أيدي جنود الجيش الإسرائيلي.‏
‏على الرغم من أن نسبة كبيرة من الإسرائيليين الذين قتلوا خلال عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) كانوا أعضاء نشطين، أو مُجازين، أو احتياطيين في الجيش والأمن الإسرائيليين، إلا أن مصطلحات مثل “المجزرة” و”المذبحة” ظلت تستخدم بكثرة في وصف مصرعهم. ولم يرد أيّ ذكر يُعتد به لحقيقة أن أولئك الذين “ذبحتهم” حماس كانوا في الواقع متورطين بشكل مباشر في الحصار الإسرائيلي الدائم والمذابح السابقة في غزة.‏
بالحديث عن “المذبحة”، فقد استُخدم المصطلح، وفقا لموقع “إنترسبت”، لوصف أولئك الذين يُزعم أنهم قُتلوا على أيدي مقاتلين فلسطينيين مقابل أولئك الذين قتلتهم إسرائيل بنسبة 22 إلى 1.‏
‏أقول “يُزعَم” لأن الجيش والحكومة الإسرائيليين، على عكس وزارة الصحة الفلسطينية، لم ‏‏يسمحا‏‏ بعد بالتحقق المستقل من الأرقام التي أنتجوها، وحرّفوها، وأعادوا إنتاجها، مرة أخرى.‏
‏لقد أصبحت الأرقام الفلسطينية مقبولة الآن، حتى لدى الحكومة الأميركية. وعندما سُئل وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في 29 شباط (فبراير) عن عدد النساء والأطفال الذين قتلوا في غزة، ‏‏قال‏‏: “لقد تجاوز العدد 25.000″، متجاوزًا حتى العدد الذي كانت وزارة الصحة الفلسطينية قد قدمته في ذلك الوقت.‏
‏ومع ذلك، حتى لو قامت مصادر مستقلة حقًا بفحص الأرقام الإسرائيلية وإثباتها بالكامل، فإن تغطية صحيفة “نيويورك تايمز” لحرب غزة ستظل تشير إلى غياب المصداقية الكامل عن وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية، بغض النظر عن أجنداتها وأيديولوجياتها. ويمكن تبرير هذا التعميم على أساس أن الـ”نيويورك تايمز”، تظل بطريقة غريبة بما فيه الكفاية، أكثر إنصافًا نسبيًا من غيرها.‏
‏وفقًا للمعاير المزدوجة السائدة، يتم تصوير الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال والمضطهدين والمذبوحين بشكل روتيني باللغة التي تليق تمامًا بوصف إسرائيل. في حين أن كيانًا عنصريا إقصائيا وقاتلاً مثل إسرائيل يعامل على أنه ضحية، وعلى الرغم من الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، فإنه، بطريقة ما، يظل في حالة “دفاع عن النفس”.‏
‏إن صحيفة “نيويورك تايمز” تنفخ بلا خجل وباستمرار في بوقها الخاص عن كونها واحة من المصداقية والتوازن والدقة والموضوعية والمهنية. ومع ذلك، بالنسبة لها، ما يزال الفلسطينيون الخاضعون للاحتلال هم الطرف الشرير: الفريق الذي يقوم بارتكاب الغالبية العظمى من المذابح والمجازر.
‏وينطبق المنطق المنحرف نفسه على حكومة الولايات المتحدة، التي ما يزال خطابها السياسي اليومي حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والإنصاف والسلام يتناقض تمامًا مع دعمها الوقح لقتل الفلسطينيين، من خلال إرسال القنابل الغبية والخارقة للتحصينات ومليارات الدولارات من الأسلحة والذخائر الأخرى.‏
‏إن تقرير “الإنترسبت” حول هذه القضية مهم للغاية. فبصرف النظر عن المذكرات المسربة، فإن عدم أمانة اللغة التي تستخدمها صحيفة الـ”نيويورك تايمز” -الرحيمة تجاه إسرائيل وغير المبالية بالمعاناة الفلسطينية- لا تترك أي مجال للشك في أن صحيفة “نيويورك تايمز”، مثلها مثل غيرها من وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة، تواصل الوقوف بحزم إلى جانب تل أبيب.‏
‏بينما تستمر غزة في مقاومة ظلم الاحتلال العسكري الإسرائيلي والحرب، يجب على بقيتنا، الذين يشعرون بالقلق إزاء الحقيقة، والدقة في مضمون التقارير الإخبارية والعدالة للجميع، أن يتحدّوا هذا النموذج من الصحافة الفقيرة والمنحازة.‏
ونحن نفعل عندما ننشئ مصادر معلومات مهنية بديلة خاصة بنا، حيث نستخدم اللغة المناسبة، التي تعبر عن الواقع المؤلم في غزة التي مزقتها الحرب.‏
‏والحقيقة هي أن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية ومذابح مروعة ومجازر يومية تُرتكَب ضد أناس أبرياء، جريمتهم الوحيدة هي أنهم يقاومون احتلالاً عسكريًا عنيفًا ونظام فصل عنصري شرير.‏
‏و، إذا حدث أن ولّدت هذه الحقائق التي لا جدال فيها استجابة “عاطفية”، فإن هذا جيد؛ ربما يتبع ذلك إجراء حقيقي لإنهاء المذبحة الإسرائيلية للفلسطينيين. ويبقى السؤال: لماذا يجد محررو صحيفة “نيويورك تايمز” هذا مرفوضًا وجديرًا بالاعتراض؟‏

LinkedIn
Twitter
Facebook

إترك تعليق