لقد أجرى العلماءُ المسلمون عدَّةَ دراسات على هؤلاء المرضى، للتأكُّد من سلامة الصيام عليهم، وقد كان من نتائج هذه الدراسات أنَّ الغالبيةَ العظمى (قريباً من 90٪) من مرضى القلب يمكنهم الصيام بأمان ولله الحمد.
وممَّا ساعدَ على ذلك وجودُ الأنواع الجديدة من الأدوية ذات المفعول الطويل، والتي يمكن تناولها مرَّةً واحدة في اليوم فقط.
لنبدأ أولاً بأن ننظر بإمعان في بعض الاعتقادات والمخاوف الخاطئة التي تدور في أذهان البعض عن الصيام وتأثيره على القلب والدورة الدموية:
الصيام يضعف القلب ويسبب نقص السكر في الدم وهو غذاء القلب الرئيسي!
– هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، فنسبة السكر في الدم تبقى في حدود الطبيعي، والجسم لديه مخزون كبير من الغذاء، فهو يختزن السكريات في الكبد، ويختزن الدهنيات تحت الجلد وحول الأحشاء، ويستطيع الجسم ببساطة أن يستخدم من هذا المخزون ما يشاء لتغذية القلب وباقي الأعضاء في ساعات الصيام ويعوضه بعد الإفطار.
الصيام يسبب زيادة في تركز الدم ولُزُوجته بسبب السوائل، وهذا
بالتالي يؤدي إلى حدوث جلطات في القلب.
– لا يوجد أي أساس علمي لهذا الاعتقاد، ففترة الصيام لا تزيد عن 16 ساعة بأي حال، وما يفقده الجسم من الوسائل في هذه الفترة لا يحدث تركيزًا يذكر في قابلية الدم للتجلط، وقد كان المسلمون الأوائل يصومون رمضان في ظروف بالغة الصعوبة، وفي صحراء شبه الجزيرة العربية، حيث تصل درجة الحرارة في الظل إلى خمسين درجة مئوية، وحيث تعز شربة الماء حتى بعد الإفطار نظرًا لقلة المطر، وندرة الآبار.
الصيام يسبب هبوطًا خطرًا في ضغط الدم خاصة عند أولئك المصابين بمرض ضغط الدم المنخفض!.
– حكاية ضغط الدم المنخفض هذه قد بولغ فيها بدرجة كبيرة.أما وقد فنّدنا المخاوف والأوهام عنها زعم التأثير الضار للصيام، فقد أصبح من الممكن لكل الأصحاء، وغالبية المصابين بالدرجات البسيطة والمتوسطة في كثير من أمراض القلب أن يؤدوا فريضة الصيام.
إن الصيام لا يؤثر بصورة سلبية على مرضى القلب الذين يتمتعون بحالة مستقرة، والذين لا يصابون بأعراض متكررة كآلام الصدر أو الصعوبة في التنفس، حيث إن الصيام يكون غالباً مفيداً لتلك الحالات لأنه يساعد على تقليل كميات الطعام الذي يتم تناوله، والابتعاد عن التدخين، والحد من التوتر مما يسهم في تخفيف المخاطر العامة الناجمة عن أمراض القلب وينعكس إيجابياً على صحة مريض القلب.
ولكن هناك فئات من مرضى القلب يجب عليهم عدم الصوم لأسباب صحية، وهم:
1. المرضى الذين يعانون من آلام متكررة في الصدر (مرضى الذبحة الصدرية الغير مستقرة).
2. المصابون بهبوط حاد شديد لم يُسيطَر عليه بعد.
3. مريض قصور القلب الإحتشائي الذي يعاني من التعب الشديد وضيق التنفس فهو يحتاج لتعاطي مدرات البول بإستمرار.
4. مرضى الأزمة القلبية الذين لا يستطيعون الصوم عادة خلال الأسابيع الستة التي تعقب حدوث الأزمة القلبية.
5. مرضى جراحات القلب الذين لا يستطيعون الصوم عادة خلال الأسابيع الستة التي تعقب إجراء الجراحة.
6. مرضى التضيق أو الإرتجاع أو الإلتهاب الشديد للصمامات.
7. المرضى الذين يتعاطون أدوية تخثر الدم مثل الوارفارين.
8. مرضى عدم انتظام ضربات القلب من النوع الخبيث الذين يعالجون بالأدوية.
9. مرضى القلب الذين تتطلب حالاتهم البقاء تحت الملاحظة داخل المستشفى.
10. وأيضًا المرأة الحامل المريضة بالقلب؛ لأن الحمل عبء على القلب، فيحب عليها الإفطار حرصًا عليها وعلى سلامة جنينها.
11. الذين يحتاجون إلى علاج في أثناء النهار عن طريق الفم أو الحقن.
الصيام يؤثر على الأدوية التي يتعاطاها المريض، أما عن استعمال الأدوية في رمضان.. فعندما يتطلب العلاج استخدام الأدوية في جرعات متقاربة الزمن (أي كل 6 ساعات أو 4 ساعات) عندئذ يتعذر الصيام، ومثال ذلك غالبية المضادات الحيوية والكثير من الأدوية المنظمة لنبض القلب والموسّعة للشرايين، ولكن بعد التطور في علم الفارماكولوجي والوصول إلى أدوية طويلة المفعول تصل إلى 24 ساعة أمكن للمريض أن يتناول الدواء مرة واحدة في اليوم أثناء فترة الإفطار، مع استمرار مفعول الدواء بالجسم خلال فترة الصيام، وبذلك يمكن لمريض القلب أن يصوم بدون حدوث أي مضاعفات، غير أن تقدير ذلك لا بد أن يرجع للطبيب المعالج.
غذاء مريض القلب في شهر رمضان:
يجب على مريض القلب تناول كميات صغيرة من الطعام على أربع مراحل مقسمة على مدار اليوم بدلاً من تناول وجبتين كبيرتين خلال شهر رمضان الفضيل، حيث أنه يسهم تقسيم الطعام إلى حصص صغيرة وتناولها على مراحل في إحداث تغيرات إيجابية في الهرمونات وعملية الأيض، حيث تحفز إنتاج الكوليسترول الجيد وتقلل من الكوليسترول الضار وضرورة الحفاظ على ممارسة التمارين الرياضية كالمشي حتى وإن كان لفترة قصيرة.
وينصح بتجنب الأطعمة الدسمة والغنية بالدهون والأملاح وعدم تناول كميات كبيرة من السوائل لأنها تؤدي إلى حدوث صعوبة في التنفس، وأن المرضى سيشعرون بتغيرات إيجابية إذا تمكنوا أيضاً من تخفيف أوزانهم.
ويجب على مريض القلب طلب مشورة طبيب القلب لتحديد مواعيد تناول الأدوية والجرعات المناسبة لهم لتجنب حدوث أي مضاعفات.
وينصح مريض القلب في شهر رمضان المبارك بأن يبدأ إفطاره بتناول شربة دافئة، وعدم المثلجات في البداية، كما ننصحه بعد تناول المخللات والطرشي والأغذية التي تحتوي على نسبة عالية من الأملاح، وأن تستبدل بها السلطة الخضراء مع الطعام، حيث تمده بالفيتامينات اللازمة للجسم ولا يكون لها أي أضرار. وننصح أن تكون وجبة الإفطار خفيفة لا تصل به إلى حد الشبع، وأن يتناول بعد ذلك عدة وجبات خفيفة ما بين فترة الفطور والسحور، وأن يتناول كميات متكررة من الماء والسوائل أثناء هذه الفترة، خاصة خلال الأيام التي يكون فيها الجو حارًّا حتى يعوّض ما يفقده الجسم من سوائل.
وشهر الصوم يعتبر هو الفرصة الجميلة لكل مرضى القلب المدخنين
للامتناع نهائيًّا عن التدخين، باعتباره أحد أهم عوامل الخطورة بالنسبة لأمراض القلب، والابتعاد عن الانفعالات، حيث إن الصيام يدعو إلى التسامح وتهذيب النفس.
ويمكن لمريض القلب أن يتناول بعض الحلو ولكن بكميات قليلة، وأن تكون كمية الدهون بها محدودة حتى لا تتسبب في زيادة وزنه أو زيادة نسبة الكوليسترول في الدم.
أما إذا كان مريض القلب مصابًا بمرض السكر فعليه إتباع رجيم السكر حتى لا تحدث له مضاعفات من تناول الحلويات بكميات كبيرة، كما ننصح مريض القلب بالإقلال من تناول الياميش؛ لأنه يحتوي على نسبة
عالية من الكوليسترول الذي يكون له ضرر كبير على القلب والشرايين.
أ.د./ إسلام شحاتة
أستاذ القلب والقسطرة القلبية بجامعة الزقازيق م.
زمالة جامعة يونسيه لقسطرة القلب (كوريا الجنوبية)