أطفال غزّة… أيقونات الموت والحرب والشّهادة

أنهم لم يمتلثوا لأوامر الإخلاء، وفي حالات نادرة كانت إسرائيل تعتذر عن خطأ قتل طفل ما، أو تتهم قوات المقاومة بأنها قتلته بالخطأ، كي تتنصل من المسؤولية.
هذه المسألة مربكة جداً وناسفة للصورة “الأخلاقية” التي يحاول جيش الاحتلال تصديرها عن نفسه للعالم الغربي، لأن الغرب مهما انحاز لمواقف إسرائيل لن يستطيع تبرير “قتل الأطفال”، بالتالي تحولت هذه الصور إلى أيقونات كاشفة لزيف أخلاقيات جيش الاحتلال، ودالة إلى حرب الإبادة، وكانت دافعاً مهماً وراء زيادة النشطاء في السوشيال ميديا المتعاطفين مع أطفال غزة، قيام تظاهرات يشارك فيها الآلاف في مختلف العواصم الغربية.
لأن الصورة الرسمية التي يروّجها الاحتلال وزعماء الغرب والخاصة بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس ضد إرهاب حماس، تسقط تلقائياً مع رؤية جثث الأطفال الرضع.
المستقبل والميثولوجيا
ثمة شيء عاطفي مؤثر في رؤية الأطفال ضحايا الحروب، والكوارث عموماً، لأن قتل جندي ـ على فظاعته ـ قد يبدو منطقياً، وهو سلب للروح، بينما قتل طفل ليس منطقياً، وليس سلباً للروح فقط، بل هو سلب للمستقبل. يُلغي موتهم المبكر جداً أي فرصة لهم كي يعيشوا ويكبروا.
وفي كثير من القصص (الديني والأسطوري) تتمثل قمة الشر في قتل الأطفال، وكأنه إصرار على محو الحياة بكاملها، حدث هذا في قصة فرعون، وفي قصة هيرودس، والغريب أنه في العهد القديم آيات تحرض على قتل الأطفال والنساء! فكيف يستقيم ذلك؟
في تفسير قتل الحكام للصغار يكون الدافع خوفهم من ظهور “المخلص” ومن يسلبهم ملكهم، أما حث الكتاب المقدس على قتلهم، فيمكن تفسيره بأنهم يرثون شر آبائهم ويكونون على صورتهم: “وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً فلا تستبق منها نسمة ما” (تث 20: 10 – 16).
في الحالتين يتطلب الأمر أولاً تصنيف الآباء بوصفهم “أشراراً” (هم الآخرون البرابرة) لتسويغ قتل أطفالهم، وحماية المستقبل منهم، سواء مستقبل الحاكم، أو شعب الله المختار.
وتعطينا قصة أصحاب الأخدود في مصادرها الإسلامية، شكلاً آخر للصراع بين الملك والطفل، فرغم انتصار الملك وتحقق رغبته بقتل الطفل المؤمن، إلا أن هذا القتل (الاستشهاد) كان سبباً في إيمان الجميع بالله. أي أن نيل الطفل للشهادة ضرورة لا مفر منها لإيصال قضيته.
بالتالي لا يمكن فهم قتل الأطفال في الصراع الدائر الآن، دون العودة إلى تأويلات القصص التوراتية والإسلامية، فالأولى تبيح قتل الأطفال لإنجاز “مستقبل خال من الآخر الشرير”، والثانية تُعلي من قيمة تقديم الأطفال “شهداء”.
الأولى تركز على جدارتها وحدها بالحياة بوصفها شعب الله الأسمى (وصف بعض المسؤولين في إسرائيل الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية) والثانية تركز على جدارتها بالشهادة في سبيل الله.